«الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله» الإمام علي بن أبي طالب الوفاء هو إحدى الفضائل التي حث عليها ديننا الحنيف وتتميز بعظمة قدرها وأهميتها لأن يسمو تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان ولأن يسهم بنفس الوقت في رقي وسعادة هذا الإنسان في الحياة. ومن هذه الفضائل: الأمانة والصدق والإخلاص والإحسان والتسامح والحرية والعدل والمساواة.. إلخ. وما أحرى أن تكون هذه الفضائل الموجه لسلوك الإنسان وتصرفاته في الحياة. وفضيلة الوفاء تتضمن معاني ودلالات معنوية كالمحبة والإيثار على النفس والمودة والاحترام والتقدير، ودلالات مادية كالتواصل وتأدية الدين ومد يد العون والمساعدة المادية لمن هو بحاجتها .. إلخ. وقد قال ابن المعتز : «من كرمت عليه نفسه هان عليه ماله». لذلك فإن الوفاء كلمة محببة للنفس ومطمئنة لها لأنها ترتبط بالعطاء مما يبعث على تفاؤل الإنسان خيرا بأخيه الإنسان وتزيد من ثقته به وتجعله يشعر أيضا بقيمة الوفاء كمنهج مهم لإصلاح وتقوية العلاقات بين الناس وإصلاح المجتمع. كل إنسان تقريبا يحب أن يكون وفيا لغيره ويحب أن يكون الآخرون أوفياء له. والإنسان العاقل المدرك لفضيلة الوفاء يعمل، كمبدأ عام، على أن يكون وفيا بقدر الاستطاعة ويدعو إلى الالتزام بالوفاء في التعامل مع الآخرين، سواء كانوا أصدقاء أو أقارب أو معارف .. إلخ. ولاتساع نطاقه فإن الوفاء يتعدى الأفراد ليشمل الجماعات والشعوب والأمم والإنسانية أجمع. ولذلك مهم تعامل كل إنسان بوفاء في هذه الحياة. والله سبحانه وتعالى وفي يحب الوفاء ويثيب عليه والأدلة على ذلك كثيرة في القرآن الكريم، وواجب على الإنسان أن يكون وفيا أولا مع الله ثم مع خلقه الذين من أجلهم اهتم الإسلام بالوفاء باعتباره جزءا من العقيدة وأضفى عليه مفهومه الواسع ليشمل الوفاء بالوعود والعهود والمواثيق والوفاء بالنذر وبالكيل والميزان والوفاء بأداء الأمانة وبأداء الأمور الدينية، كما يتضح ذلك في الكثير من الآيات القرآنية والسنة المطهرة. وشكر من يستحق الشكر هو من باب الوفاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس». وإن كان الإنسان هو المعني بالوفاء إلا أن الحيوانات كذلك تتصرف بوفاء غير معهود، فكم من حيوان من فصيلة ما أرضع صغار حيوان آخر من فصيلة أخرى فقدت عنهم أمهم. والكلب أصبح على مر العصور مضرب المثل بصداقته وبوفائه لصاحبه الإنسان، ونوادر وقصص وفاؤه بذلك كثيرة. وقد يكون الكلب أكثر وفاء من بعض بني الإنسان الذين يسمون أنفسهم أصدقاء، وفي واقع الحياة ليس كل من يدعي الصداقة صديقا. ذلك لأن علاقة البعض مع الآخرين مبنية على المصالح وتنتهي لذلك بانتهاء المصالح. وما أكثر هذه النوعية من الأصدقاء اليوم. والصداقة الصحيحة تجعل الصديق وفيا لصديقه وتجعله يشاركه همومه وإن اقتضى الأمر يساعده معنويا وماديا ويأخذ بيده إذا ما أصبح فجأة في مشكلة أو مأزق ما. فمن الناس من يغدر ويكذب ويجحد وينكر الجميل ويخون العهد، ومنهم من يخون العهد مع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم رغم كون هذه الأفعال كلها ضد الوفاء وبالتالي ضد الدين الإسلامي الذي هو دين الوفاء. وفي الوقت الراهن ونتيجة للتحولات المادية الطارئة على حياة الإنسان في المجتمع فقد بدأ الكثيرون ينحون في تعاملهم مع بعض إلى تعزيز القيم المادية الذاتية لدرجة أن أصبح الوفاء برأي البعض اليوم عبارة عن عملة نادرة رغم مجالاته الواسعة وفضائه الرحب. ولهذا أصاب ما أصاب علاقات بعض الناس من توتر وحدة وسلبية. ولنا أسوة في الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ضرب أفضل الأمثلة للوفاء، ومن ذلك وفاؤه مع أصحابه وحتى مع أعدائه. ومعروف وفاؤه لزوجته خديجة إذ لم يتزوج في حياتها على أخرى وكان بعد مماتها يذكرها دائما بخير. أي أنه يمكن الوفاء لأي إنسان في حياته وبعد مماته، كان زوجا أو زوجة، صديقا أو قريبا .. إلخ. وقد كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي مقدمتهم أبوبكر وعمر، أوفياء له في حياته وكذلك بعد مماته وذلك بتنفيذ ما سبق أن أمر أو وعد به للآخرين، كما كانوا أوفياء لبعضهم. على أن الوفاء يبدأ مع النفس حيث يكون الإنسان وفيا لنفسه باتخاذه كأساس لتعامله بالإضافة إلى ما ذكر آنفا من فضائل وكذلك فضائل الاستقامة وحسن الخلق والحلم والرحمة والسخاء والصبر والصفح والعفة وعدم الخيانة.. إلخ، وهذا يقتضي محبة الآخرين ومساعدتهم والامتنان لمن عمل له معروفا منهم والعفو عمن أساء إليه منهم بقدر الإمكان واستجارة المظلوم منهم ومساعدته، وتسري الاستجارة على الشخص ولو كان عدوا. وكثيرة هي مجالات الوفاء الأخرى التي لاتقل أهمية عما ذكر ومنها الوفاء بشكل عام لكل إنسان يتمتع بصفات حسنة، والوفاء لمن عمل معروفا أو أحسن صنعا، والوفاء للوالدين في حياتهما وبعد مماتهما وذلك بالصلاة عليهما والاستغفار والدعاء لهما وتنفيذ عهدهما من بعدهما وصلة رحمهما وإكرام أصدقائهما والتصدق لهما، والوفاء للمدرسين لقاء تعليمهم وللرؤساء لقاء الاستفادة من خبراتهم وتوجيهاتهم، ومن الوفاء أن يفي الوالدان لأولادهما والمعلم لتلاميذه والرئيس لمرؤوسيه. ومن مجالات الوفاء، الوفاء لمسقط الرأس وللأهل والجماعة. وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: هل من العصبية أن يحب الرجل قومه، فقال : «ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، إنما العصبية أن يعين قومه على الظلم».. ومثل ذلك فإن حب الإنسان لوطنه ( أو أمته) يعتبر من باب الوفاء له وترجمة ذلك في الواقع هو أن يعمل الإنسان كل ما يحقق الخير والقوة والمنعة له. هذا إلى جانب الوفاء لماضي الوطن وإبراز المضيء من تراثه وتاريخه، وكذلك الوفاء لعلمائه ومفكريه وقادته العظام والاعتزاز بمنجزاتهم وأفضالهم. وبعد: ما أكثر القيم والفضائل التي حث عليها ديننا الحنيف ولكن ما أقل ما يعمل بها، فالأمم المتقدمة هي التي وضعت قيمها وما لديها من فضائل إنسانية موضع الممارسة والعمل ونجحت، أما الأمم التي أخفقت عن ممارسة قيمها وفضائلها في واقع حياتها واعتمدت على ترديدها قولا فقط تخلفت عن ركب النماء والتطور الحضاري في جميع المجالات.