ظل الفصل بين الاقتصاد والسياسة، أو لنقل عدم الربط بينهما، حلماً يراود المختصين في علم الاقتصاد والمهتمين بالشأن الاقتصادي، مكتفين بالمطالبة بتفرغ السياسيين إلى عملهم الأساسي، وأن تتركز جهودهم في خلق استقرار سياسي يرفد الاقتصاد بأدوات النمو، ويوفر للاستثمارات مناخا مواتيا. ولعل العالم المتقدم، الغرب عموما، أدرك هذه الحقيقة، الأمر الذي انعكس بالضرورة على الشأن الاقتصادي العام. في المقابل، نجد أن ما يحصل في معظم الدول النامية هو أن ينسحب المزاج السياسي العَكِرْ على الفعاليات الاقتصادية فيعكِّر صفوها، وهو قدر هذه الاقتصادات أن تقع في هذا المأزق السياسي. لم يكن ما عرف بالربيع العربي ربيعا جميلا، بل شكَّل خريفا مزعجا خلق تداعيات متراكمة أدَّت إلى عرقلة عجلة الاقتصاد في معظم دوله، وانعكس ذلك بالضرورة على الإنسان العربي الذي وجد نفسه ضحية أمام طموحات سياسية جارفة تدعي الديمقراطية رافقتها إخفاقات اقتصادية غير مبررة، وهو الإنسان الذي عوَّل كثيرا على الجانب الاقتصادي المأمول والممكن والذي يحتكم إليه العقل في نهاية الأمر، وأدرك في نهاية هذه الصراعات أنه لن تجدي الديمقراطية شيئا لمواطن لا يجد فرصة عمل. موارد الاقتصاد المتاحة، إن لم تجد مناخا مواتيا واستقرارا يتيح لها أن تعمل وتخلق قيمة مضافة، فهي في واقع الأمر تكون لعبة أرقام يتسلّى بها المسؤولون في المؤتمرات والندوات ويعتلون بها المنابر. ضجيج لا يخلق حركة حقيقية في المجتمع. والواقع يؤكد أن انحسار الاقتصاد في هذه الدول التي تأثرت بتداعيات هذه الصراعات، لا أقول انكماشة، فالانحسار حالة تردّي وليس دورة اقتصادية مؤقتة، قد خلق تداعيات اجتماعية انعكست في حالة مؤسفة من الشتات بين أفراد المجتمع الواحد، أسهمت إلى حد كبير في تفكك النسيج الاجتماعي الذي كان يشكل سندا للاقتصاد. تنازل المجتمع عن كثير من القيم والمبادئ التي كانت تشكل منظومة أخلاقية تحكم العلاقات بين الناس وتؤطِّر الأعمال والممارسات على صعيد النشاط الاقتصادي العام. الآن تبدلت الأحوال وارتهن المجتمع لواقع مختلف، قد يبقى طويلا. وهذا ما يُشكِّل، في المنظور الممكن رؤيته، عقبة كؤود أمام أي نظرة تفاؤلية لأن يقوم الاقتصاد في هذه الدول من كبوته ويعود قويا قادرا على فرض إرادته على الساحة الوطنية، ليقول كفى.. لكل من عبث بالاقتصاد بدعوى التحرر والديمقراطية.