سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خالد الفيصل «قد نكون اختلفنا على تسمية الربيع العربي، ولكننا اتفقنا أن الفكر العربي قد بدأ» قراءة في مؤتمر مؤسسة الفكر العاشر: ماذا بعد الربيع العربي....؟
ماذا بعد الربيع العربي ؟؟ سؤال أعمق في تصوراته من ماذا كان قبل الربيع العربي، لا احد يجزم بان الماضي كان الأسوأ لان الحاضر لم تكتمل معالمه فالصورة لازال ينقصها الكثير لتكتمل ولترى ملامحها السياسية بشكل طبيعي. ماذا بعد الربيع العربي هو عنوان مؤتمر مؤسسة الفكر العربي في دورته العاشرة التي عقدت في دبي من الفترة 5-7 /12 / 2011م ، هذا العنوان المثير انعكس وبشكل فعلي على مناقشات المؤتمر وفعالياته فقد كان المستقبل لما بعد الربيع العربي هو نقطة الالتقاء في كل المناقشات التي جلبت مع كل فكرة تاريخا محددا للربيع العربي القادم وبقدر ما كانت الحوارات تحليلة واستنتاجية في معظمها وهذا هو هدف المؤتمر إلا أن تقاطعات فكرية وتاريخية سجلت حضورها ولفتت الانتباه إلى أهميتها وكان ذلك من ابرز نجاحات المؤتمر ومؤسسة الفكر. في جلسات المؤتمر السبع تناثرت الكثير من الأفكار واختلطت الكثير من الآراء التي أسفرت مع نهاية كل جلسة عن تصورات مهمة وأساسية حول ما بعد الربيع العربي عنوان الجلسات كان متناسقا مع الحديث ففي الجلسة الأولي (لماذا الربيع العربي في الشتاء..؟) كان السؤال مرتبطا بظرف الزمان والمكان في محاولة جادة لتفسير لماذا جاء الربيع العربي بهذه الطريقة المتناسية لتراتبية الفصول وهل يحقق ذلك استعجالا للنضج فهل الربيع العربي هو موسم الحصاد أم موسم البناء هكذا كانت الفكرة وهكذا كان الاستفسار عميقا في هذه الجلسة. في الجلسة الثانية التحديات الاقتصادية وفي الجلسة الثالثة كان الحديث عن الدولة وفي الجلسة الرابعة كان المحور العرب والجوار والعالم ، وفي الخامسة سؤال مهم يقول هل للثقافة من ربيع..؟ أما الجلسة السادسة وهي ما قبل الأخيرة فقد كان موضوع المرأة والشباب والفضاء الالكتروني، أما الجلسة السابعة فقد ركزت على محاولة البحث عن جواب لعنوان المؤتمر ماذا بعد الربيع العربي ؟. كانت الجلسات متجانسة بشكل كبير مع عنوان المؤتمر كما تجانس ضيوفها ومتحدثوها وخلق التنوع بين المثقفين والمفكرين والسياسيين احد أهم عوامل الثراء في هذه الجلسات وهذا المؤتمر كما أن تباين المدارس الفكرية والسياسية التي قادت جلسات المؤتمر قد ساهم وبشكل فعال في تحقيق اكبر قدر ممكن من تحديد ابرز الأطياف الفكرية والسياسية والتي من الممكن ان تلعب دورا استراتيجيا في تحديد الإجابة المهمة حول ماذا بعد الربيع العربي. لقد كان اختيار هذا العنوان مفعما بالتوفيق والدليل على ذلك أن ما شهدته الجلسات لم يكن حوارا تقليديا بقدر ما كان تفاعلا حقيقيا لقضية قائمة ليست نخبوية مفقودة بل قضية شعبية وفكرية واجتماعية وسياسية ، وقد لفت الأنظار المشاركة الدائمة وحضور جميع الجلسات من قبل سمو الأمير خالد الفيصل كما هو معتاد من سموه في كل مؤتمرات مؤسسة الفكر التي نجحت بشكل كبير في إخراج هذا المؤتمر وقد تفاعل الجمهور كثيرا مع كلمات سمو الأمير خالد الفيصل وخاصة في الكلمة الختامية في الجلسة الأخيرة عندما تحدث رئيس مؤسسة الفكر الأمير خالد الفيصل وحسم التساؤلات بدملوماسية عالية في نهاية المؤتمر قائلا:"قد نكون اختلفنا على تسمية الربيع العربي، ولكننا اتفقنا أن الفكر العربي قد بدأ". هذا الختام الفكري الذكي لمؤتمر فكري يناقش قضية سياسية تناغم وبشكل كبير بين تلك المعطيات التي أنتجها حوار الثلاثة أيام وهي أيام المؤتمر ، تباعدت واختلفت الأفكار حول تسمية الربيع العربي وهل يجوز تسميته بذلك آم لا وهل هو ربيع فعلي أم عاصفة سياسية لم يستطع احد أن يكتب آو يتنبأ بمقدماتها. إن القراءة الصحيحة لهذا المؤتمر تفرض علينا مراقبة ثلاثة مشاهد رئيسة في جلسات هذا المؤتمر وتكاد تكون هذه المشاهد متكررة في معظم الجلسات فقد كان الموقف الخاص بالشباب العربي موقفا جريئا وواضحا في تعريف الربيع العربي وفي المقابل كان هناك صوت للمثقفين والمفكرين يحاول فهم ماذا يدور في قاع المجتمع فكريا وثقافيا وبين الشباب ويحاول تفسير ذلك الحراك المجتمعي الذي يقوده الشباب ، أما السياسيون وأصحاب الخبرة في العمل السياسي فقد كان موقفهم تاريخيا ودبلوماسيا ويعتبرون أنفسهم جزءا كبيرا من الحراك السياسي الجديد الذي حدث بفعل الثورات العربية. تفسير العلاقة بين الشباب والمثقفين والسياسيين وتفسيرها كان محورا دائم الحضور في جلسات المؤتمر وكان البحث مستمرا خلال جلسات المؤتمر لبحث تعريفات مشتركه للمصطلحات الجديدة مثل ثورة وشباب وأحزاب وربيع وشتاء واقتصاد ..الخ من المصطلحات التي ساهم المؤتمر في الكشف عن أهمية تحديد تعريفات دقيقة لها قبل العبور إلى المستقبل بمصطلحات مبتورة من معانيها. معظم المشاركين من الشباب تمكنوا من تقديم أنفسهم بشكل مجتمعي جيد ولكن النتائج التي وصلت إليها الانتخابات في الدول التي حدثت فيها الثورات أربكت الكثير من توقعاتهم وقد يكون مصطلح الديمقراطية قد انتابه بعض الخمول وخاصة أن الديمقراطية التي كانوا يرغبون بها كانت ضعيفة وخائفة إلى حد كبير فقد تقدمت المنصة السياسية في تلك البلدان أحزاب سياسية غير متوقع صعودها ولكنها صعدت وبقيت هناك. المثقفون والسياسيون والاقتصاديون حاولوا جاهدين خلال جلسات المؤتمر أن تبدو مواقفهم أكثر اعتدالا واتفق الجميع على أن الجميع يجب أن يحظى بنفس الفرصة للمشاركة السياسية وخاصة في الدول التي أصابتها الثورات العربية والتي كشف تاريخها أنها دول الاشتراكيات العربية وهذا ما يرجح انحسار هذه الثورات وتوقفها عند تلك الدول ذات المنهجيات المماثلة. التوجس كبير حول مستقبل الأنظمة العربية المصابة بالثورات هذا ما نضح في الحوارات سواء الرسمية أثناء الجلسات آو الجانبية وخاصة عند قدوم تيارات معينة إلى السلطة فتجربة الإسلاميين في الشارع المجتمعي تجربة تقرأ بشكل سلبي من قبل التيارات المختلفة معها فالخوف السياسي يتصاعد بين الأحزاب السياسية مع كل ما يقدمه الإسلاميون من ضمانات، كما لا يمكن لأحد يفكر بطريقة عقلانية أن يعلن رفضه لفكرة وجود الأحزاب الإسلامية في السلطة ولكن القلق المشترك بين الجميع شبابا ومثقفين وسياسيين يكمن في ضعف التجربة للأحزاب القادمة ذات التجارب الاجتماعية الكبيرة في مقابل تجارب سياسية متواضعة. الوعي السياسي هو المحور الأهم الذي ظهرت الحاجة إلي مناقشته في جلسات المؤتمر لتفسير تلك التغيرات ولذلك كان الحديث حول الوعي في الفكر الفلسفي مهماً وهو لا يتشكل إلا من خلال الحواس مما يعني أن الوعي بالديمقراطية وقيمتها لن يسبق الإحساس بها. ظهر وبشكل جلي بين المتحدثين أن التحديث والتطوير في مقابل التاريخ والأصالة تنازعت الشارع العربي في دول الثورات العربية وهذا ما سوف يجعل المرحلة القادمة أكثر ضبابية ، ولكن الايجابي انه من الممكن أن تثمر تلك التركيبة عن تمازج جميل بين التاريخ والمستقبل، ولكن ذلك مرتبط ” بتعيين الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها المجتمع والسياسة على حد سواء ” ومع كل ذلك فتبدو المنهجية الإسلامية للحكم مكملة لتجارب عربية سابقة ، التجربة الوطنية ، والتجربة القومية ، والتجربة الاشتراكية العربية ، فهل ستحقق المعجزة في تجربتها ، ويبقى السؤال المهم هل ستعاني الدول العربية من صراع تاريخي بين متطلبات تاريخية لمنهجها الأيديولوجي وبين متطلبات حديثة لممارستها الحاضرة والمستقبلية هكذا كانت الحوارات تختتم. لقد كانت جلسات المؤتمر انفتاحا على حقائق الفكر العربي وربيعه الذي بدأ كما أشار سمو رئيس مؤسسة الفكر العربي لأنها أرضية خصبة وحقيقية ومستقلة عن كل المؤثرات التي يمكن أن تؤثر في مسيرة الأفكار البيئة العلمية والفكرية كانت طاغية بشكل كبير ومن أهم الملاحظات أنْ تمكنَ المفكرون العرب والسياسيون والشباب ممن ساهموا في تقديم هذا المؤتمر وجلساته من تجاوز الكثير من معايير الاختلاف واللجوء إلى قيم العدل والديمقراطية وقبول المختلفين في التعاطي مع القضايا المطروحة. لم يغفل المؤتمر جانبا مؤثرا في الربيع العربي وكان الاقتصاد والمجتمع والسياسية أركانا لم يستقل احد منها عن الآخرى بل كانت مؤثرات متداخلة في عملية التحليل لاستشراف مستقبل ما بعد الربيع العربي أثناء جميع الجلسات. لقد ظهر جليا من خلال المناقشات أن هناك دولا عربية مستقرة ومن خلال الحوار الفكري ثبت أن الكثير من دول العالم العربي وكنتيجة لمنهجياتها السياسية والاجتماعية لن تكون عرضة للثورات ولكن ذلك لا يعفيها من إحداث الإصلاحات كما اتفق الكثير من المشاركين مما يعني أن الربيع العربي انقسم إلى قسمين قسم طقوسي ابتدأ بإشعال النار آو التظاهر وقسم إصلاحي اعتمد على تحسين وتغيير الكثير من مظاهر الخارطة السياسية في بلدانه. ماذا بعد الربيع العربي سؤال ملح حاول مؤتمر الفكر الإجابة عليه بكل وضوح لأنه ساهم في قراءة المستقبل وتحليل واستنتاج الحقائق ولكن الأهم أن العناصر المفقودة في المساحات العربية مثل الفكر والثقافة والمجتمعات أصبحت أكثر حضورا من غيرها ولقد كان هذا المؤتمر صورة حقيقية لمشاهدة كل المعطيات التي يمكن الحديث عنها في مناقشة الثورات العربية ودور الإنسان العربي على جميع الأصعدة في صناعة مستقبل الأوطان العربية. إن مؤسسة الفكر بقيادة سمو الأمير خالد الفيصل الأمير المثقف مطالبة بالاستمرار بالحرث وإعادة إنتاج الثقافة العربية وفق معطيات جديدة تتطلبها المرحلة السياسية والاقتصادية في العالم العربي واستثارة الفكر العربي لتقديم المزيد من النقد والتحليل للواقع الاجتماعي والفكري والاقتصادي في عالمنا العربي.