هناك توجه سعودي بات أعمق وأشمل في التغير تجاه مُجمل الصراعات الإقليمية، ومسعى إلى فتح آفاق جديدة، وإحداث توازن في علاقات السعودية الإقليمية والدولية والعربية، وهناك توجه لدى القيادة السعودية لإنهاء حربها في اليمن، وفتح قنوات اتصال مع دمشق قد تفضي إلى إعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، وإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، وقد فشلت كل الضغوط الأميركية والإسرائيلية لحرف السعودية عن ثوابتها تجاه أولوية القضية الفلسطينية، حيث إن التصريحات الإسرائيلية والأميركية وما ينشر في الصحافة عن تغير في مواقف السعودية تجاه القضية الفلسطينية كل ذلك ثبت عدم صحته وزيف ادعاءاته. إن تصريحات الملك سلمان تؤكد على ثوابت المملكة تجاه القضية الفلسطينية، حيث تؤكد السعودية أن حل الدولتين وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة هي الأساس الوحيد لحل الصراع، وهو ما تبنته مبادرة السلام العربية التي حظيت بالتأييد في المجتمع الدولي، حيث إن «موقف المملكة العربية السعودية من القضية الفلسطينية يعد امتداداً لموقف المرحوم الملك فيصل بن عبدالعزيز من عام 1384 - 1395ه / 1964-1975م» الذي أرسى دعائمها الملك عبدالعزيز والملك سعود -رحمهما الله- باعتبارها قضية إسلامية عربية، وكان موقف المملكة من القضية الفلسطينية في عهد الملك فيصل والمحاولات التي بذلها في ظل الأحداث التي كان يمر بها العالم العربي والإسلامي في تلك الفترة، وتبدأ بموقف الملك فيصل من القضية الفلسطينية منذ توليه مقاليد الحكم وحتى حرب 1387ه - 1967م. إن موقف السعودية من القضية الفلسطينية في عهد الملك فيصل اتسم بالتأييد اللامحدود على كافة الصعد من الدعم السياسي والمادي والمعنوي الذي قدمته المملكة للقضية الفلسطينية، والدعم المالي والسياسي الذي قدمه الملك فيصل لدول المواجهة كان له أثر كبير في صمود هذه الدول في وجه العدو الإسرائيلي في حرب 1973م، بعد أن تمكنت من إعادة بناء قواتها بمساعدة الدعم الذي قدمه الملك فيصل وكان النصر حليفاً لهم، حيث أثبتت للولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية المساندة لإسرائيل أن الدول العربية قادرة على اتخاذ موقف موحد في الدفاع عن حقوقها، وأكد الملك فيصل أن البترول سلاح يمكن استخدامه وقت الضرورة، كما سعى إلى إقناع الكثير من الدول الآسيوية والإفريقية بإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل، وحث بعضها على قطع علاقاتها مع إسرائيل، وكل ذلك بفضل دعوة الملك فيصل للتضامن الإسلامي، حيث تحولت القضية الفلسطينية من قضية عربية إلى قضية إسلامية، حيث أصبح للشعب الفلسطيني ممثلون في جميع المحافل ومنها: منظمة التحرير الفلسطينية، ودافع الملك فيصل عن القضية الفلسطينية والدول العربية في كل المحافل الدولية. احتلت القضية الفلسطينية موقعاً خاصاً لدى السعوديين منذ تأسيس الدولة، وعملت السعودية بواقعية من أجل ضبط الحق المعتبر لدى الفلسطينيين بالأرض، ودرج على ذلك الملوك كلهم منذ الملك سعود وحتى الملك سلمان، حيث أدركت السعودية مبكراً أن الحفاظ على الحق طويلاً يحتاج إلى مثابرة وأناة وطول صبر، لذلك لم تُفضل المشاريع الصوتية والكلام الخطابي الرنان، بل عملت على وثيقة تكون محل اتفاق دولي جامع، وكانت المبادرة السعودية التي وافق عليها العالم ومنهم العرب، وبلغت شكلها النهائي حين طرحها الملك عبدالله في قمة بيروت 2002، وعرفت لاحقاً باسم «مبادرة السلام العربية». يمكننا القول إن السعودية ثابتة على مواقفها الداعمة للحق الفلسطيني وهي لا تدخر جهدا في سبيل تقديم كل ما يلزم لعودة الحق الفلسطيني لأصحابه ورفض أي حلول ورفض التسليم بقرار ترمب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وتصر كما أصر الملك فيصل -رحمه الله- بعودة القدس عربية إسلامية، وأعلنت رفضها لصفقة القرن، وأصرت على موقفها ودعمها المبادرة العربية للسلام والمدعومة عربياً وإسلامياً، ورفض التطبيع المسبق مع إسرائيل، وتصر على انسحابها من كافة الأراضي المحتلة بحدود الرابع من حزيران، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. هذه المواقف السعودية كانت وستبقى ضمن أبجديات السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية، وهي ثابتة على مواقفها وثوابتها الداعمة للحقوق الوطنية الفلسطينية.