منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد -المغفور له -الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حتى يومنا هذا والقضية الفلسطينية قضية محورية في السياسة الخارجية السعودية. حيث لم تأل المملكة العربية السعودية جهداً في الدفاع عنها في كل المحافل وبكل الوسائل. ولقد اتسمت محورية القضية الفلسطينية في السياسة السعودية الخارجية بميزتين مهمتين وهما: الاستمرارية، وعدم ربط هذا الموقف السعودي بتحقيق أي مكاسب معينة. أي بمعنى آخر لم تساوم ولن تساوم المملكة العربية السعودية على القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. ومازالت المملكة اليوم وفي عهد الملك سلمان-حفظه الله- تسير على نفس الخط وتنظر إلى القضية الفلسطينية على انها قضيتها الخاصة. وعلى الرغم من استحالة الإتيان على كافة تفاصيل الدعم السعودي للقضية الفلسطينية في هذه المساحة إلا أننا سنتناول مقتطفات من هذا الدعم من أجل تبيان حقيقة الموقف السعودي المشرف والذي يحاول البعض وللأسف الإساءة إليه إما جهلاً أو حقداً. الملك المؤسس ولعل بدايات تشكل هذه السياسة السعودية كان في عهد المؤسس -رحمة الله-. ففي مفاوضات وادي العقيق عام 1926م بشأن إلغاء معاهدة القطيف، أراد البريطانيون أن ينتزعوا من الملك عبدالعزيز اعترافاً بوعد بلفور وبمركز خاص لهم في فلسطين، ولكنه رفض المساومة على القضية الفلسطينية. وفي العام 1936 م قام الفلسطينيون بثورة ضد الإنجليز مما حدا بالإنجليز الى احضار الكثير من القوات ومحاصرة الفلسطينيين والتنكيل بهم فما كان من الملك عبدالعزيز إلا أن أصدر أوامره بسرعة تزويد فلسطين بالمال وبالمواد الغذائية وكل ما يحتاجونه في محنتهم. وفي العام 1943م وجه -رحمه الله- بتأسيس قنصلية عامة في مدينة القدس لتسهيل الاتصالات مع الشعب الفلسطيني وتيسير الدعم لقضيته العادلة. وفي العام 1945م كان اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت حيث تبين للرئيس الأميركي قوة الموقف السعودي تجاه القضية الفلسطينية وقد تفهم هذا الموقف. يقول روزفلت: "فقد وعيت تلك المشكلة بحذافيرها، مشكلة المسلمين واليهود في حديث دام خمس دقائق مع ابن سعود أكثر مما كنت أستطيع معرفته بتبادل ثلاثين أو اربعين رسالة". وفي العام 1946م تحدث الملك المؤسس -رحمة الله- الى مجلة "لايف" عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وقد وصل هذا الحديث إلى الرأي العام الأميركي. ويدل على ذلك ان رئيس المجلس اليهودي الأميركي قام بالرد على جلالته في عدد آخر من المجلة. وفي عام 1947م عندما صدر قرار تقسيم فلسطين رفضه الملك عبدالعزيز. وفي حرب العام 1948 م كان للمملكة العربية السعودية دورًا فاعلاً في دعم القضية الفلسطينية من خلال اشتراك وحدات من الجيش السعودي النظامي والمتطوعين السعوديين في هذه الحرب، من ناحية، ومن خلال الدعم المالي والسياسي والاعلامي من ناحية أخرى. وتبادل الملك عبدالعزيز الكثير من الرسائل مع المسؤولين الأميركيين والبريطانيين للدفاع عن قضية فلسطين. الملك سعود أما الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- فقد صلى في القدس العام 1935م وكان حينها ولياً للعهد حيث زار القدس ويافا وطولكرم ونابلس مما جعله يتعرف عن كثب على معاناة الفلسطينيين. لذلك أناب الملك المؤسس ابنه سعود -رحمه الله- لحضور مؤتمر (أشناص) عام 1946م نظرًا لمعرفة الأمير سعود بالقضية الفلسطينية وابعادها. وقد اتخذت المملكة في هذا المؤتمر موقفاً داعماً للقضية الفلسطينية. وفي اثناء زيارته للولايات المتحدةالأمريكية العام 1947م واجتماعه بالرئيس ترومان كان الملك سعود حريصاً على عرض القضية الفلسطينية وكسب الدعم الأمريكي لها. وفي نفس السنة قام رحمه الله بزيارة إلى بريطانيا وناقش مع وزير خارجيتها (إيدن) القضية الفلسطينية. وبعد أن أصبح ملكاً حمل الملك سعود على عاتقه ايصال القضية الفلسطينية إلى كل ارجاء العالم. ويتضح ذلك من مقابلته الشهيرة مع الصحفي الأمريكي الفريد ليلينتال العام 1954م. وفي العام 1956م إبان العدوان الثلاثي على مصر كانت المملكة من أوائل الدول العربية التي وضعت كل إمكاناتها في خدمة دولة مصر الشقيقة. بل لقد وجه رحمه الله بقطع النفط عن السفن البريطانية والفرنسية والتي كانت متوجهة لمصر كما قام بقطع العلاقات مع هذه الدول. الملك فيصل لم يكن الملك فيصل -رحمه الله- عندما تولى الحكم بعيداً عن القضية الفلسطينية. حيث كان -رحمه الله- مدافعا عنها في زيارته الى روسيا والتي قابل فيها ستالين وطلب منه ضرورة اتخاذ موقف عادل من القضية الفلسطينية. كما مثل الملك المؤسس في مؤتمر المائدة المستديرة بلندن العام 1939م ورفضت المملكة وبكل بقوة قرار تقسيم فلسطين. وفي القمة العربية التي عقدت في الاسكندرية العام 1964م نجد الملك فيصل ينادي بضرورة دعم الفلسطينيين والقضية الفلسطينية حيث تبرع بمبلغ خمسة ملايين جنيه استرليني لتحقيق هذا الهدف. وبعدها بثلاث سنوات العام 1967م وقف الفيصل بكل قوة مع الدول العربية التي خسرت قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان. وفي العام 1969م تعرض المسجد الأقصى لعملية حريق مفتعل مما حدا بالملك فيصل رحمة الله الى الدعوة الى مؤتمر قمة اسلامي لإنقاذ الأقصى. وقد نتج عن هذا الاجتماع انشاء منظمة المؤتمر الإسلامي وهي المنظمة التي ستكون فيما بعد إحدى اهم روافد الدعم للقضية الفلسطينية. وكان تتويج موقف الفيصل رحمه الله من القضية الفلسطينية في العام 1973م عندما كان لموقف المملكة الدور الأبرز في انتصار العرب في هذه الحرب. يقول السادات: "إن الملك فيصل هو في الحقيقة بطل العبور". الملك خالد لقد عاصر الملك خالد -رحمه الله- الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982م . وبناءا على ذلك وجه جلالته بتزويد منظمة التحرير الفلسطينية بكل ما تحتاجه من انواع الدعم. كما كلف وزير خارجيته سمو الأمير سعود الفيصل بسرعة مقابلة زعامات العالم للعمل على وضع حد لهذا العدوان الإسرائيلي. ولم يتوقف الأمر هنا.. بل تبرع -رحمه الله - بمبلغ خمسة ملايين دولار من حسابه الخاص لهذه المنظمة. ودعا -رحمه الله- الى مؤتمر قمة اسلامية لمناقشة وضع القدس. وينعكس موقف جلالته من القضية الفلسطينية في رسالته إلى الرئيس الأمريكي رونالد ريجان التي جاء فيها: "أن السلام الذي يمكن تحقيقه واستمراره في الشرق الأوسط إنما هو السلام العادل القائم على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس الشريف". الملك فهد امتدادا لسياسة المملكة الهادفة الى حل القضية الفلسطينية حلاً شاملاً بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني طرح الملك فهد العام 1982م مشروع السلام الذي عرف فيما بعد باسمه (مشروع الملك فهد للسلام). ولقد تبنى مؤتمر القمة العربي الثاني عشر الذي انعقد في مدينة فاس بالمغرب هذا المشروع واصبح (مشروع السلام العربي) ويقوم هذا المشروع على ثمانية مبادئ من بينها انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلت في 1967م بما فيها القدس العربية. وإزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية منذ 1967م. وضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان. وتأكيد حق العودة للشعب الفلسطيني. وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وأخيرًا حق جميع دول المنطقه في العيش بسلام إذا نفذت إسرائيل المطالب العربية. وقد كانت هذه المبادرة ضربة قاسية للدعاية الصهيونية التي كانت تصور العرب على أنهم دعاة حرب ولا يريدون السلام أبداً. الملك عبدالله تنعكس سياسة الملك عبدالله تجاه القدس في كلمته التي ألقاها في القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في الفترة من 21-22 أكتوبر 2000م والتي سميت(قمة الأقصى). فقد أوضح جلالته دقة الظروف التي تمر بها الأمة العربية والتي تحمل في طياتها الكثير من النذر التي تهدد باحتمالات التفجير والانزلاق في دوامة العنف وعدم الاستقرار. يقول رحمه الله: "إن الخيار أمامنا هو خيار صعب ودقيق وهو خيار الوقوف بثبات وصمود متمسكين بمبادئنا وحقوقنا المشروعة.. إنه خيار الذي يرفض الرضوخ لأي ضغوط سياسية كانت أو عسكرية، إنه خيار الاستقلالية في العمل". كما أدانت المملكة قيام إسرائيل ببناء الجدار العازل الذي يضم أراضي فلسطينية واسعة وتقدمت بمذكرة احتجاج لمحكمة العدل الدولية في لاهاي تدين فيها قيام إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري، وصدر قرار المحكمة رقم (28/2004) وتاريخ (9/7/2004م) بعدم شرعية هذا الجدار وطالب إسرائيل بإزالته، وجاء قرار الجمعية العامة في هذا الشأن ليعبر عن تضامن المجتمع الدولي حيال هذا الموضوع ويطالب إسرائيل بوقف الجدار والتخلي عنه وأنه يتناقض مع القانون الدولي. الملك سلمان يعتبر الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أحد أهم الرؤساء العرب الداعمين للقضية الفلسطينية. حيث نادى بضرورة الحل العادل للقضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية التي تضمن لشعبها الحياة الكريمة في أكثر من مناسبة دولية، وأكد -حفظه الله- في أكثر من محفل ان فشل المجتمع الدولي في تحقيق ذلك سيكون له الكثير من الانعكاسات السيئة على مستوى المنطقة بل والعالم بأسره. وفي إطار دعم المملكة العربية السعودية المادي للقضية الفلسطينية فقد وصل دعم ميزانية السلطة الفلسطينية للفترة من ديسمبر 2016 حتى مارس 2017 مايقارب 7.7 ملايين دولار شهرياً. وقد قامت سلطات الاحتلال قبل عدة أشهر بإغلاق أبواب المسجد الأقصى أمام المصلين المسلمين. فتحرك سلمان العزم مسخرًا كل الطاقات من أجل إنهاء هذا الإغلاق وهو الأمر الذي تم. يقول باسم الآغا، سفير فلسطين في الرياض، عن هذه الحادثة: أن السعودية عملت بصمت ودون ضجيج إعلامي لأنها لا تبحث عن الضجيج الإعلامي، بل عن النتائج على الأرض وتحقيق الإيجابية." ومازالت المملكة تفصح عن موقفها كداعم رئيس للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني.. فقد صدر الأسبوع الفارط بيان من الحكومة السعودية يستنكر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل. حيث ترى المملكة في هذه القرار تحيزاً مع الجانب الإسرائيلي على حساب الجانب العربي وقضيته. وحذرت المملكة من الأثار المترتبة على هذا القرار بل ودعت الحكومة الأمريكية الى مراجعة قرارها حيال ذلك. المملكة العربية السعودية وقضية فلسطين من منشورات الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة 1999م، ويحمل في طياته مواقف المملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية، وهو من تأليف عبد الفتاح حسن ابو علية . المملكة العربية السعودية وفلسطين يقع هذا الكتاب في خمسة اجزاء وهو من اصدارات دارة الملك عبدالعزيز ويعتبر من أشمل ما كتب عن هذا الموضوع. «لقد تحدثت إلى الرئيس ترومان عن مسألة فلسطين وعن قضايا العرب فوعد بأنه سيكون على الحياد في أمر فلسطين ولن ينصر فئة على فئة» الملك سعود بن عبدالعزيز «إن أعز أمنياتي أن أشهد عودة القدس وأصلي في المسجد الأقصى» الملك فيصل بن عبدالعزيز «إن السلام الذي يمكن تحقيقه واستمراره في الشرق الأوسط إنما هو السلام العادل القائم على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة» الملك خالد بن عبدالعزيز «إن المملكة العربية السعودية انطلاقاً من مسؤولياتها الإسلامية والتاريخية والإنسانية والأخلاقية لم تتردد لحظة واحدة في القيام بواجباتها نحو الشعب الفلسطيني» الملك فهد بن عبدالعزيز «يجب ألا تنحصر مناصرة الشعب الفلسطيني في إطار الدعم المعنوي والسياسي بل يجب أن تكون المساندة لهم بكل الوسائل» الملك عبدالله بن عبدالعزيز «يجب ألا تشغلنا الأحداث الجسيمة التي تمر بها منطقتنا عن تأكيدنا للعالم على مركزية القضية الفلسطينية لأمتنا، والسعي لإيجاد حل لها على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية» الملك سلمان بن عبدالعزيز شواهد على التاريخ