"ليلة فنانة العرب أحلام: احتفاء بالألبوم الجديد ضمن فعاليات موسم الرياض"    ساديو ماني يعلق على رغبة إنتر ميلان في ضمه    الأسهم الأوروبية تصعد إلى مستوى غير مسبوق    انقطاع الكهرباء عن الآلاف في بريطانيا وأيرلندا بسبب رياح قوية    إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.4 مليون حبة كبتاجون عبر ميناء جدة الإسلامي    "المركزي الروسي" يخفض سعر صرف الروبل أمام العملات الرئيسية    الذهب يسجل أعلى مستوى في 3 أشهر مع ضعف الدولار وعدم وضوح الرسوم    وفيات وأضرار خلال موسم الأمطار في بوليفيا    ترمب يشدد على إنهاء حرب أوكرانيا ويلوح بفرض جمارك ضخمة    قاضٍ أمريكي يوقف قرار تقييد منح الجنسية بالولادة    انطلاق ثاني جولات بطولة "دريفت 25" الدولية لقفز الحواجز في تريو الرياضي بجدة    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    من التمريرات إلى الأرباح    جرائم تحت الملاحقة.. النيابة تتصدى.. العدل تحسم    البرلمان العربي: ما يحدث في الضفة الغربية انتهاك صارخ للقانون الدولي والإنساني    المشي حافياً في المنزل ضار للقدمين    العمل المكتبي يُبطئ الحركة ويزيد الأرق    عقل غير هادئ.. رحلة في أعماق الألم    أمر ملكي.. تمديد خدمة عبدالعزيز بن سعد أميراً لمنطقة حائل لمدة 4 أعوام    400 مشارك في جائزة "تمكين الأيتام "    سلمان الشبيب.. من ضفاف الترجمة لصناعة النشر    الأخضر تحت 16 يفتتح معسكره الإعدادي في جدة بمشاركة "27" لاعباً    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    القبض على (12) إثيوبياً في جازان لتهريبهم 216 كجم "قات"    السواحة يناقش وزير «السكك الحديدية والإعلام..» ورئيس مايكروسوفت وقادة كبرى الشركات    كل التساؤلات تستهدف الهلال!    أمانة جدة تضبط 3 أطنان من التبغ و2200 منتج منتهي الصلاحية    العمل عن بُعد في المستقبل!    الثنائية تطاردنا    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    تمديد فترة استقبال المشاركات في معسكر الابتكار الإعلامي «Saudi MIB» حتى 1 فبراير 2025    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    رحلة نفسيّة في السفر الجوّي    ما أحسنّي ضيف وما أخسّني مضيّف    "خالد بن سلطان الفيصل" يشارك في رالي حائل 2025    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح المؤتمر الدولي ال 12 لتطبيقات الإشعاع والنظائر المشعة الأحد القادم    سرد على شذى عطر أزرق بمقهى "أسمار" الشريك الأدبي في أحد المسارحة    نائب وزير البيئة والمياه والزراعة يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته ل4 سنوات    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة الرئيس السابق    فعالية "اِلتِقاء" تعود بنسختها الثانية لتعزيز التبادل الثقافي بين المملكة والبرازيل    إنجازات سعود الطبية في علاج السكتة الدماغية خلال 2024    التجارة: 10% نمو قطاع خدمات الإقامة والطعام خلال العام 2024    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    أمير الشرقية يستقبل الفائزين من "ثقافة وفنون" الدمام    تنبيه من الدفاع المدني: أمطار رعدية حتى الاثنين المقبل    1000 معتمر وزائر من 66 دولة هذا العام.. ضيوف» برنامج خادم الحرمين» يتوافدون إلى المدينة المنورة    أفراح آل حسين والجحدلي بزواج ريان    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    ثقافة الابتسامة    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    وصية المؤسس لولي عهده    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    ندوة الإرجاف    المجتمع السعودي والقيم الإنسانية    "ملتقى القصة" يقدم تجربة إبداعية ويحتضن الكُتّاب    رابطة العالم الإسلامي تعزي تركيا في ضحايا الحريق بمنتجع بولاية بولو    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطائف في ذكرياتي
نشر في الوطن يوم 31 - 07 - 2019

أذكر الطائف لأول مرة، وأنا في نحو التاسعة من عمري، وكان ذلك في أواخر العهد الهاشمي، ولم تكن المواصلات ميسورة في ذلك الحين، ولا كان الطريق مأموناً، وكانت أداة المواصلات الوحيدة يومذاك الجمال والبغال والحمير ولا أداة غيرها، وإن تكن السيارات قد شاع استعمالها في ذلك الجيل.
وكأني أرى الآن - وقد عبرت عشرون سنة على ذلك - كيف خرجنا من مكة في عصر يوم صائف على عدد من الجمال، بينها اثنان يحملان شقدفين للحرم، وكنت أحتل واسطة الشقدف الأول، يحمله جمل أورق يتولى القيادة.
فأما سير الجمال فقد كان وئيداً جداً كتلك الجمال التي عنتها الزَّبَّاء ملكة تدمر وكانت تحمل الأبطال، بقولها:
أرى الجمال سيرها وئيداً * أجندلاً يحملن أم حديدا
ولكنا لم نكن بالطبع جندلاً ولا حديداً، وإنما كنا خليطاً من رجال ونساء وصبية - أنا حاميهم الوحيد - الذي يعتز بأنه كذلك وإن لم تكن عنده كفاءة تؤهله لذلك.
يا للذكريات! لقد كنا نسير الليل كله، ونستريح النهار كله، كما لو كنا مهاجمين في الخفاء لا نريد أن تبصرنا عيون الجواسيس والأعداء، وسرنا ثلاثاً، نجتاز فيها بالزيمة والسيل، كما لا يزال الناس يجتازون بهما إلى الآن، حتى رأينا الطائف عن كثب، وكأنها خميلة ملفوفة في الضباب، ورأينا كذلك قصر شبرا أمامنا، وكأنما هو سبابة من يد خفية كبيرة تشير بالشهادة وترتفع في الفضاء!
والطفل بطبيعته فرح مرح مطراب، فقد وثبت إلى الأرض من الشقدف ورحت أقفز في الهواء من الجذل والغبطة، وتدفق اسم الطائف من فمي بالمئات أتحدث إلى من معي، وأشير إلى الطائف إشارة أبلغ من دلالة، كأنهم لا يستطيعون رؤية الطائف إلاّ إذا جذبت ضوءه الإيجابي إلى عيونهم حتى يصبح منهم بمنظر يتكشف عن طيب مخبر.
أما أنا فقد أصبحت في حالة انجذاب لا تطاق، ولست أستطيع وصف تلك الحالة، ولو كان معي أبو الطيب وأبو العلاء لما استطاعا أن يقولا شيئاً غير ما يمكن أن يقال من مثلي ومثلهما، وهو تافه يسير بالقياس إلى ذلك الشيء الكبير الكبير.
كل شيء يراه الطفل أو يلمسه، إن هو - في نظره - إلاّ ألعوبة أو ملهاة يتسلى بها حيناً ثم يقذف بها إلى غير عودة إليها.
أما الطائف فقد كان في نظري - وأنا ذلك الطفل الغرير - أهم من ذلك وأعظم وأشبه بلغز مستبهم. لقد فرض الطائف سحره وجماله على طفل، وإن الطفل ليفرض أيسر قسط من سحر الطفولة على الحياة بأجمعها.
وهذه الذاكرة ما تزال تختلس أشياء طواها الزمان في ماضيه طياً بعيداً، فقد أقمنا في الطائف - ذلك العام - صيفاً كاملاً أو يزيد، وما أبرح ذاكراً كيف كان المطر يباكرنا ويراوحنا كل يوم في ذلك الصيف بأكمله - إلاّ ما ندر منه - حتى لكأنا كما نتنفس مع الربيع بأنفاسه.
وما أنفك أذكر - فيما أذكر - كيف كنا نذهب في العشي والإبكار إلى الحدائق - وهي مفتحة أبوابها - فنأكل ما نشاء من الأثمار، ونحمل ما نشتهي من أطايبها لا صاد يصدنا عنها، ولا مانع يمنعنا منها!
كنا كالعصافير تنطلق من أوكارها خماصاً فتعود بطاناً، وكنا نعبث ما حلا لنا العبث، حتى إذا ولجنا باب بستان بدا علينا ما يشبه الرصانة والوقار، فما نتمكن من الثمار والأزهار والجداول إلاّ وقد طاشت الأيدي الثقيلة، وذهبت الحلوم الرصينة، وأطلت العيون الصغيرة من حماليقها، ونظل في قصف ولهو كقصف الرومان يوم دخلوا قرطاجنة، لولا أن قصفنا بريء، أما قصفهم فقد كان فيه ما فيه.
ويأتي البستاني يهدد ويتوعد فيجد غصوناً عريت من الثمر، وفروعاً عطلت من الزهر، وآثار أقدام صغيرة طارت بأهليها كالفراش، فيغتاظ في غير عناء، ويذهب إلى غير لقاء!
كذلك كان الطائف في ذاكرة طفل.
أما الآن..؟
* المنهل ج 80، 9 س5 رجب - شعبان 1360ه ص ص 42، 44


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.