ما دامت الحياة حركة دائبة، فهي تغيير وتطور. والحياة بالمعنى الشامل هي الإنسان، وعلاقاته، وصيرورته. والأدب والفنون في الحياة ومنها، ولا يمكن أن تكون شيئا منفصلا عن الإنسان. ولا بد أن تتطور في خط يجاري مطالبه المتجددة، وعلاقاته بالوجود الإنساني، وبالطبيعة. وسيظل الأدب فنّا قوامه الجمال، والتأثير، والفكرة، والعاطفة، وهدفه الإنسان متابعا لتحولاته، قائدا لمشاعره، موجّها لاهتماماته. وتتغير اتجاهات الأدب كما تتغير اتجاهات الإنسان على رابطة العلاقة بينهما. والأدب في خدمة المجتمع لا يكون ولن يكون أدبا متجردا من جمال الفن، وفن الجمال. إن الإنسان هدف الوجود، وغايته، ومغزاه. والإنسان وعلاقاته بالطبيعة مجتمعين، أو متفرقين، هدف الأديب والفنان. إنني أدور حول النقطة ذاتها. خبطات أدبية هناك موضوع آخر له أهميته، هو أسباب عدم تغلغل أدبنا في الأقطار العربية، على الرغم من وجود أدباء يستوون في المقدرة، والإبداع مع غيرهم من أدباء الوطن العربي. ويحق لي أن أتساءل: ما العامل في ذيوع اسم شاعر أو كاتب في بلد غير بلده؟ إنها «خبطة» أو عدة «خبطات» أدبية، كما يعبّر الصحفيون. لا أريد الكلام عن هذه «الخبطات» والتمثيل لها. إن هذه «الخبطات» لم تتح لأديب من أدبائنا الذين يمكن أن يجدوا مكانا بين أدباء الوطن العربي المشاهير. إن فقدان عنصر الإثارة، والعنف، والانطلاق إلى الأجواء العليا، أو التردي في الأغوار السحيقة هي السبب في عجز آثار شعرائنا الجياد عن الحركة، والتطويف. إذن؛ فكل اقتراح من قبيل العرض والتصوير لاستجداء الرواج، لن يجدي، وفي هذا المجال تحضرني قصة المخبر الصغير الذي وافى رئيسه بخبرِ كلبٍ عضّ مدير الجامعة، فصرخ فيه قائلا: إني أنتظر -على الأقل- خبر مدير جامعة عضّ كلبًا. إنه عنصر الإثارة، الانفعال، الرجّة. أترى هذا العنصر متوافرا في شعر شعرائنا، مثلا؟ ولا يفوتني أن أؤكد أن دور الشعر هنا قد انتهى. انتهى قبل أن يخوض معركة وجوده. انتهى غير مأسوف عليه، حتى من ذويه. * 1980