وزير الطاقة ونظيره الهيليني يترأسان اجتماعات الدورة الأولى للجنة الطاقة بمجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي الهيليني    الأردن: السجن ل 3 متهمين في قضية «حج الزيارة»    فليك: برشلونة يتطور.. وفالفيردي: لامال لاعب استثنائي    الرماح والمغيرة يمثلان السعودية في رالي داكار 2025    النقش على الحجر    من أنا ؟ سؤال مجرد    ولي العهد عنوان المجد    إطلاق الوضيحي والغزال والنعام في محمية الإمام تركي بن عبدالله    النصر في منعطف الأخدود.. الفتح يخشى الوحدة.. الرياض يصطدم بالخليج    ولي العهد وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية الروسية    رابطة العالم الإسلامي تُدين وترفض خريطة إسرائيلية مزعومة تضم أجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا    "حرفة" يعرّف بدور محافظات منطقة حائل في دعم وتمكين الحرفيين    هوبال    الاحتلال يواصل الإبادة الجماعية في غزة لليوم ال460    ما ينفع لا ما يُعجب    345.818 حالة إسعافية باشرها "هلال مكة" 2024    أمانة مكة تعالج الآثار الناتجة عن الحالة المطرية    بيئة الجوف تنفّذ 2703 زيارات تفتيشية    نائب أمير تبوك يطلع على أداء الخدمات الصحية    11,9 مليار ريال إجمالي تمويل العقود المدعومة للإسكان في 2024    تعزيز التعاون السياحي السعودي - الصيني    بلدية محافظة الشماسية تكرّم متقاعديها تقديرًا لعطائهم    مفاوضات إيرانية صينية لتخليص صفقة بيع نفط بقيمة 1.7 مليار دولار    تدشين المرحلة الثانية من «مسارات شوران» بالمدينة    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    طالبات من دول العالم يطلعن على جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل حملة "التوعية باللعب الالكتروني الصحي"    67 % ضعف دعم الإدارة لسلامة المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينجح في استئصال جزء من القولون مصاب بورم سرطاني بفتحة واحدة    2.1 مليون مستفيد في مستشفى الملك خالد بالخرج    انطلاق المهرجان الأول للأسماك في عسير    الاتحاد والهلال    أمير المدينة يطلع على مشاريع تنموية بقيمة 100 مليون ريال    بناء جيل رياضي للمستقبل !    الاتحاد يوافق على إعارة "حاجي" ل"الرياض" حتى نهاية الموسم    "القادسية" يحقّق بطولة "طواف الأندية السعودية" 2025    «ترمب شايل سيفه»    دور سوريا المأمول!    تحرير الوعي العربي أصعب من تحرير فلسطين    التأبين أمر مجهد    قصة أغرب سارق دجاج في العالم    المنتخب الجيد!    وزير الخارجية ومفوض"الأونروا" يبحثان التعاون    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    إنتاج السمن البري    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    المملكة تتصدر حجم الاستثمار الجريء في عام 2024    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    دكتور فارس باعوض في القفص الذهبي    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    على شاطئ أبحر في جدة .. آل بن مرضاح المري وآل الزهراني يحتفلون بقعد قران عبدالله    تعزيز الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي    اطلع على إنجازات معهد ريادة الأعمال.. أمير المدينة ينوه بدعم القيادة للمنظومة العدلية    يهرب مخدرات بسبب مسلسل تلفزيوني    «الجوازات»: إمكانية تجديد هوية مقيم وتمديد تأشيرة الخروج والعودة للمقيمين خارج السعودية    هل تعود أحداث الحجْر والهلع من جديد.. بسبب فايروس صيني ؟    نائب أمير منطقة تبوك يزور مهرجان شتاء تبوك    نائب وزير الداخلية يستقبل السفير المصري لدى المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عبد الغفور عطار (رحمه الله) .. تاريخ من الأدب والفكر الرصين
نشر في البلاد يوم 31 - 03 - 2011

أحمد عبدالغفور عطار أديب ومؤلف وصحفي ولد بمكة المكرمة سنة 1337 هجرية، وتلقى معارفه في مكة وتخرج من المعهد العلمي السعودي سنة 1355ه وابتعث إلى مصر لاكمال دراسته في كلية دار العلوم، كما درس ايضا في كلية الاداب بجامعة القاهرة، وقد عمل في وظائف الحكومة عدة سنوات ثم ترك العمل الوظيفي وتفرغ للعلم والادب والبحث والدراسة.
وفي سنة 1379ه أصدر جريدة عكاظ وقد كانت فاتحة عهد جديد للفكر والأدب، وذلك إلى أن انتقلت ملكيتها إلى مؤسسة عكاظ الحالية، وفي سنة 1386ه أصدر مجلة "كلمة الحق" وقد كانت تعنى بشؤون الاسلام والمسلمين أما مؤلفاته فتبلغ نحوا من ثلاثة وثلاثين مؤلفاً منوعاً في الدين والعلم والأدب والاجتماع واللغة والشعر والقصة - كما أن ثمة بعض الكتب الكبيرة القيمة فقد حققها مثل (الصحاح للجوهري) وغيرها.ونذكر فيما يلي بيان مؤلفاته وتحقيقاته بما فيها مؤلفاته:
1- كتابي ، طبع بمكة المكرمة سنة 1954ه (1934م).
2- محمد بن عبد الوهاب، مصر، الطبعة الأولى 1362ه (1943م).
3- محمد بن عبدالوهاب، مصر، الطبعة الثانية 1376 (1956م).
4- الهوى والشباب (ديوان شعر) مصر، 1365ه (1946م).
5- سعود، مصر، 1366 (1946م).
6- المنصور، مصر، 1366م (1946م).
7- صقر الجزيرة 3 أجزاء في مجلد واحد، جد، 1385 (1965).
8- أريد أن أرى الله (قصص) مصر، 1366 (1946).
9- المقالات، مصر، 1366 (1947).
10- الهجرة (تمثيلية) مصر، 1366 (1946).
11- البيان (نقد أدبي) مصر، 1369 (1949).
12- الزنابق الحمر ( مسرحية لطاغور) مصر، 1371 (1952).
13- المقدمة (دراسة لمعجم صحاح الجوهري) مصر 1372 (1952).
14- قطرة من يراع، مصر 1375 (1955).
15- الصحاح ومدارس المعجمات العربية، مصر 1375 (1956).
16- مقصورة ابن دريد (بحث تاريخي أدبي مقارن) مصر 1376 (1956).
17- الاسلام والشيوعية، مصر، 1376 (1956).
18- حرب الأكاذيب، مصر 1377 (1957).
19- الفصحى والعامية، مصر 1377 (1957).
20- عشرون يوماً في الصين، الصين 1383 (1963).
21- الشريعة لا القانون، جدة 1384 (1964).
22- الاسلام طريقنا إلى الحياة، جدة 1984 (1964).
- آراء في اللغة ، جدة 1384 (1964).
- كلام في الأدب ، جدة 1384 (1964).
- المفتش (مسرحية لجوجول) دمشق 1385 (1965).
- الزحف على لغة القرآن، بيروت 1385 (1966).
- انسانية الاسلام، بيروت 1386 (1966).
- الاسلام خاتم الأديان، 1386 (1966).
- تهذيب الصحاح للزنجاني 3 أجزاء "بالاشتراك مع الاستاذ عبدالسلام هارون" مصر 1372 (1952).
- مقدمة "تهذيب اللغة" للأزهري، مصر 1376 (1956).
- ليس في كلام العرب، لابن خالويه، مصر 1376 (1957).
- آداب المتعلمين، رسائل في التربية الاسلامية لإبن خلدون وغيره ، مصر 1376 (1957).
- الصحاح, للجوهري، 7 أجزاء، منها جزء المقدمة. مصر 1377 (1957).
- المكتبات، أتفى العربية بحاجة الانسان في العصر الحديث؟.، مئة كلمة، المسيحية والمسيح، اليهودية، ديانات الهند، ديانات مصر، ديانات فارس، ديانات الصين واليابان، ديانات التوحيد، ديانات الشرق الأوسط، ديانات افريقية، لا أؤمن بالاشتراكية لأني اؤمن بالاسلام.، مع الكتب والمؤلفين، الاسرة، نقد كتاب "كشف الظنون"، مذكرات لارا، قال بيدبا، خمس دقائق قبل الفطور، وراء القضبان، ورود من كلام، صديقي العقاد، مسلمة في سيبريا، مع الملوك والرؤساء، الأدب الضاحك، الرحلات، شرح مقصورة ابن دريد لابن هشام اللخمي، الأزمنة لقطرب، ما اتفق لفظه واختلف معناه لأبي العميثل، كشف الظنون لحاجي خليفة، مجموعة المعاني "مختارات شعرية، طبعة الجوائب"، وفيما يلي بعض من كتابات الراحل:
الأدب فن جميل
يخلط بعض الناس بين مفهوم الأدب ومدلول الكلام، ويظنون أن كل كلام تقذفه الأفواه الآدمية يعد أدباً، وبقدر تأثير هذا الكلام فيهم تكون قيمة هذا الأدب ورفعته واصالته.
وأكثر من هذا أن من الكاتبين من يظنون أن الأدب ما يقرأونه في الصحف والكتب وما يسمعونه في الأندية والمجتمعات من أحاديث وخطب ويحسبون الأدب هذا الحشد من الالفاظ يأخذ بعضهم بأذيال بعض.
وبهذا الميزان أصبح كثير من الناس أدباء، وعلى حساب هذا الفن الرفيع أخذوا يكتبون ويذيعون ما يعد الهذر بجانب الكثير منه كلاما معقولا. لأن الهذر معروف أمره وواضح اسمه وبين معناه، ولا يجوز على النفس ولا تنخدع به المشاعر والاحاسيس، أما ما يصاغ باسم الأدب من الكلام الرخيص فإنه كالدرهم الزائف يجوز على غير الصيرفي الحاذق ويدخره ويعده رصيدا، ولايتبين له إلا عندما ينقده صيرفي يريه أن ما ظنه صحيحا كان زائفاً وما خاله رصيدا مذخورا ليس الا خسارة وبوارا.
واذا كان كل ما ينشر في الصحف والكتب والدواوين أدبا فما أرخص الأدب وأوضعه، وما ثم ما هو مبذول لا قيمة له مثل الفن، وفي وسع كل انسان أن يكون أديبا ولو كان فاقد الشعور الأدبي والفني مجردا من الملكات والمواهب جاهلا بالفن اذا استطاع أن يثرثر على الورق وينشر ثرثرته في الصحف والكتب.ولقد اختلط على الناس حتى المتعلمين منهم أمر الأدب، ولم يستطيعوا التمييز بين ما يمكن أن يسمى أدباً وما يمكن أن يسمى كلاماً، وظنوا أن كل كلام منثور أو منظوم أدب.
والذي أوقعهم في هذا انهم ليسوا نقادا وليسوا من ذواقي الفنون ذلك التذوق الرفيع. بل قراء غير موهوبين، ولهذا يحسبون ما يقرأونه أدباً، وهؤلاء القوم أخذوا بالتعريف المحدود للأدب ولم ينفذوا إلى ما يتبطنه كل لفظ من المعاني، ولم يدركوا ما وراء كل لفظ من المعنى الواسع الذي لا يدرك الا بملكات واعية وشعور فني راق، ولم يفهموا أن الفظ عنوان محدود ضيق لاحاسيس ومشاعر كثيرة وصور ذهنية وشعورية عجيبة، ولم يفهموا حقيقة هذا التعريف الموضوع للأدب وجلهوا أن التعريف ليس تحديدا دقيقا لما وضع له لأن هناك الفاظا ذات معان لا تخضع للتعاريف كل الخضوع، بل تعتبر التعاريف رمزا يدل عليها مثل الجمال والفن والشعر والأدب والعبقرية والحق والعدل وغيرها من أمثال هذه الألفاظ.
إن هذه الكلمات الرمز عالم عظيم وان كان يرى لفظا صغيرا مكونا من أحرف لا نقيم له وزنا ولا نعده رمزا على ما يضيق عنه التعبير والوصف مهما بلغا من القدرة والاعجاز.ان أقرب مثال يدني إلى الذهن ما ذكرناه حول اللفظ هو "عفريت سليمان" هذا العفريت الذي يضخم ويضخم حتى ليسد الأفق ويطول حتى لا تبلغ الجبال طول قدمه، ويبسط في الفضاء يده فيحجب السماء كأنه سحاب هذا العفريت الطويل العريض الضخم ذو الحيل العجيبة والسحر يدخل بعضه في بعض حتى ليصبح مضغوطا آلاف المرات، وبذلك يصغر ليأخذ طريقه إلى القمقم الصغير يحبس فيه.
التعريفات قمقم هذه الالفاظ ولكن الفاهمين الشاعرين يدركون أن ما في القمقم لو كان على طبيعته لضاق عن اصبعه ويعرفون حقيقة هذا الجرم المضغوط.
إن كل لفظ ينتقل من قبور المعاجم إلى مغاني الفن يبعث بعثا جديدا لأنه عندما ينتفض ليأخذ مكانه في سمط الفنان يصبح لفظا نابضا بالحياة متفجرا بالقوة والنماء مرموزا به إلى حشد حاشد من المعاني والانفعالات والصور لا يسمح التعبير أن يحيط به مهما أوتي من قوة البيان.إن هؤلاء الذين لا يعرفون معنى الأدب حق الفهم هم الذين يفهمون من تعريف الأدب ما يبعد بهم عن حقيقة الفن ويدني اليهم كل كلام لا يعتد به في عالم الفنون.
إن تعريف الأدب في أقرب حالاته هو التعبير الجميل عن تجارب الشعوب بوساطة الكلمات وهؤلاء الذين لا يميزون بين الأدب و غيره يحاجون بأن الأدب تعبير بوساطة الكلمات وما يقرأونه كلمات معبر بها عن شعور.مبلغهم من العلم والفهم والشعور، ولكنهم يجادلون على جهل، وأكثرهم لا استعداد عنده للمعرفة والفهم.والواقع أن الأدب غير ما يفهمون، فليس ما يقرأونه بأدب لأن الجمال في التعبير والتجربة الشعورية والعناصر الأخرى التي يجب أن تكون في الأثر البياني الذي يعد أدبا لا دخل لهؤلاء في حسابهم.
إن الأدب ليس كلاما رقيقا ولا ألفاظا ذات رنين بل غير هذا، هو فن قبل كل شيء، ونريد بالفن الفن الرفيع، لأن في الدنيا فنونا غير رفيعة لا حساب لها في ميزان الحقائق الانسانية والشعور.ونحن إذ نقول الفن فإنما نريد الفن الرفيع الجميل، لا ذلك الفن يخرج على عالم الجمال والاحساس، والفن الذي نريده هو الفن الذي يكشف عن الجمال ويعبر عنه تعبيرا جميلا يلذ من يتذوقه ويعيه.
الفن يقصد لنفسه والغاية منه غير الغاية من فن الاعلان مثلا، لأن فن الاعلان تراد به المنفعة أما الفن الاصيل فيراد به الكشف عن الجمال والتعبير عنه وتوسيع نطاق الحياة لا الفائدة المادية.والفن الاصيل يطلق على كل ما عبر به عن تجربة شعورية بوساطة من وساطات التعبير الجميل، فالأدب الحق فن لانه تعبير عن تجربة شعورية، الرقص فن لانه تعبير بالحركات، وكذلك الموسيقى والنحت، الرسم، ولكن لكل من هذه الفنون طريق للتعبير والأداء غير طريق الآخر، والجامعة بينها جميعا التعبير والجمال والغاية.
واذا كان العبقري من بلغ أرقى مراتب الذهن البشري وأصبح من المتفردين المرموقين في بني جنسهم وامتاز بتضخم في العقل وطفح في الاحساس وسمو في المدارك فإن الفنان لا يعدو أن يكون عبقرياً، والفنان بعد هذا من بلغ أرقى مراتب الروح الانسانية التي لا يصل اليها الا آحاد من الناس يعبرون عن تجاربهم الشعورية بوساطة من وساطات التعبير الجميل ويكشفون عن الجمال ويقدمون له صوراً تحمل سماتهم الخاصة الدالة عليهم، وما يقدمونه باسم الفن هو الفن حقاً.
الأدب وبناء الدولة
كل نهضة في الوجود في كل أمة مدينة للأدب والادباء، لأن النهضة لا تأتي إلا اذا شعر الناس بالحاجة اليها وعملوا من أجلها. وما يذكي الشعور غير الادباء، فهم الجنود المجهولون الذين يكسبون النصر، وهم الذين يصنعون التاريخ والاماد وينزلون عن حقهم لمن يسمون قادة. ويلبئون في محاريبهم ويعيشون للأدب.إن الادباء كرماء يهبون حياتهم للناس ولا يجدون في حياتهم ما هم في حاجة إليه، بل لا يجدون الكلمة الطيبة ومع هذا يبالغون في الكرم لأن نفوسهم مطبوعة على الخير والسخاء والبذل وانهم كالنحلة لا تاكل الا طيبا ولا تنتج الا طيبا، تاكل الزهر وتنتج العسل.
وان الاديب كالديمة الماطرة تصيب الخصب من الارض والجديب، وانه كالوردة العطرة يستمتع بشذاها البر والفاجر.
الاديب هو الإنسان لأنه يعيش بقلب طفل برئ لا يعرف الحقد ولا يضمر البغضاء، وتنسيه قطعة صغيرة من الحلوى كل أذى الناس، وتسعده الكلمة الطيبة، ويقنع من الحياة بسعادة غيره، بل يعمل لاسعاد الناس ولو كان في ذلك شقاؤه الأليم.
ومع هذه الخلائق الانسانية الفاضلة تجد الاديب باعث النهضة - كل نهضة حتى لا ترى تقدما في أي ميدان الا كان الاديب صاحبه الاصيل او الدافع اليه دفعا - منسيا وغير مقدور.إن غزة الفضاء ليس مدينا للعلماء، فقد سبقهم اليه الادباء، فقصة "ديدالوس" و "ايكاروس" أدب، وكانت القصة قبل عصر الميلاد، فالادباء قد ارتادوا "العوالم" ومهدوا الطريق لمن بعدهم من العلماء.وفي هذه الأيام انطلقت الكواكب الصناعية من الأرض تجوب الفضاء، وقدر لبعضها - وهو أحد الكواكب الامريكية - ان يسبح في الفضاء مائتي سنة، وقيل أن بعض الكواكب السماوية نفسها صناعية.
ويسأل سائل: أترى ان انطلاق هذه الكواكب مدين للادب والادباء؟ ونحن لا نملك من الجواب الا ان نقول: نعم، انه مدين للأدب والادباء ولولاهم ما انطلق كوكب، وما تحضرت الارض وتمدن الانسان.ان الضرورات هي الحصة التي يشترك فيها الانسان والحيوان على السواء وعندما يسمو عليها يتفرد الانسان وكل الضرورات التي نحتاج اليها ولا غنى لنا عنها اصبحت بفضل الشعور الأدبي والفني جميلة، فالرغيف ضرورة ولكنه اصبح قطعة من الجمال، فهو في شكل سوار تارة، وعلى شكل نجمة أو هلال تارة أخرى وهكذا لم يصبح غذاء المعدة وحدها، بل صار متعة للنظر وبهجة للعين.
فاذا ابتعدت الضرورات بفضل الذوق الادبي والشعور الفني عن صورتها الحقيقية واصبحت صورة جمالية فقد عرفنا قيمة الفن في تجميل الحياة.واذا كان الخبز ملتقى الضرورة والفن فان الكوكب الصناعي مدين للادب والادباء.
لماذا اخترعوا الكواكب الصناعية؟ ليظهروا بالتفوق ويرودوا المجهول، ويفيدوا منها في ارباء الاحساس.وكل هؤلاء وغير هؤلاء مما يقوم على الشعور الادبي،ولولاه لما انطلق كوكب والرغبة في التفوق وارتياد المجهول وارباء الاحساس شعور ادبي لا حيواني، وما الادب الا هذا الشعور. ان كل مصنع من مصانع الذخيرة والسلاح ما قام الا بدفقة من دفقات الشعور ودفعاته ومع هذا لا يخلو كل مصنع من هذه المصانع من منبر للخطابة يحث المنتجين على الانتاج والعمال على العمل حتى تشعر الامة بالسيادة.
والجيش في ميدان الحرب ما كان ليخوض عمارها لولا النخوة الدينية او الوطنية او اي عاطفة متأججة ثم النشيد الحربي وموسيقى الحرب وهما ادب وفن.واقرب ما يقر الى الذهن ان النهضات مدينة للادب والادباء ان النهضة في حد ذاتها تعبير من تعبيرات الشعب والادب تعبير والادباء هم الذين يعبرون ويهنئون النفوس والاذهان والعقول.
وكل هذا بديهي ولكننا نعالج في بلادنا البديهيات لاننا في او الطريق فما نصيب الادب في بناء الدولة.. انه النصيب الاوفى.وما ادري ما يسمى هذا العمل؟ عندما تصبلح التفاحة التي زرعناها وتعهدناها ناضجة نلقي بها بعيدا ولا نفيد منها ..مسكين هذا الاديب انه كالوردة - كما قلت - يبهج الناس منظرها وبلدهم ويمتعهم جمالها ومع هذا تجد من الناس من يندفع اليها ويقطعها ثم يلتقي بها على الارض والاديب هذه الوردة.
أدبنا الحديث
الدينا ادب حديث؟
سؤال جدير بأن يطيف بي وانا افكر في مقومات ادبنا الحديث وجوابه ليس عسيرا على مثلي بعد ان امضيت اكثر من ثلاثين سنة وانا انظم الشعر واكتب واؤلف واعاشر ما يسمى في بلادنا وفي العالم العربي.وما اظن جوابي الا ان لدينا ادبا حديثا ولكن ما قيمة هذا الادب وما كيانه؟ وماحقيقته؟ كل هذا ما يجب ان يشغل تفكيرنا عندما نريد ان نبين مقومات هذا الادب.ان وجود ادب حديث حقيقية لاشك فيها واما انه اجتمعت له اسبان القوة والنماء فذلك ما لا نستطيع ان نوافق عليه لاننا مايزال في اول الطريق.ان لدينا ادبا حديثا نشهده في الشعر والنثر ولكنه ليس بالكثرة فهو ندرة وكل ما تزخر به الصحف والمجلات والكتب ليس من النوع الصحيح اذا استثنينا بعضه اليسير الذي لا يذكر بجانب الكثرة الكاثرة.نحن نقرأ في صحفنا قصصا موضوعة ومقالات وقصائد ومفطوعات ولكنني لا اعد أكثرها من الادب بل هو اشبه بالموضوعات الانشائية التي يراد منها التمرين وتغذية الملكات.
وقد تسنت لي قراءة عشرات القصص وبعض الرواياعت غير اني لا استطيع ان اطلق على واحدة منها قصة بالمدلول الادبي والفني.اما الشعر فمثله مثل القصة الا ان لدينا طائفة صالحة لان يعطي قيمة الشعر من ناحية التجربة والشعور والتعبير.
وليس معنى هذا ان مكاتبنا خالية من القصة ففيها منه ما يستحق ان يحسب في عداد القصص الفني الا انه لا يذكر بالنسبة الى هذا الانتاج الغزير مما يسميه اصحاب قصة او رواية.اما النقد الادبي فقد انتهى امره بعد ان بدأ بداية كان مظنونا منها انه اخذ طريقة الى الامام.وكان الامل قويا في بلوغ ادبنا الحديث مبلغا حسنا لكن ضآلة المحصول الثقافي وفقدان الاطلاع على الادب العربي القديم والعكوف على تقليد الضعفاء والانصراف عن الادب الرفيع وقلة قراءة الاداب العالمية في مصادرها او فيما ينقل الى لغتنا العربية الى ضعف مستوانا الادبي وزاد في هذا الضعف هبوط الاساليب الكتابية الى الالعامية المبتذلة الرخيصة من جراء افتتاح اكثر الكتاب بأيسر ما يستطيع واقتطاف الثمرة قبل النضج والاوان جعل اساليب اكثر هؤلاء الكتاب فجة غير صالحة للتذوق وتملي الروح الجمالية فيها.وانا لا اشك ان صناعة البناء قد تأخرت كثيرا واصبحت الكتابة صناعة اكثر منها فنا ومزاجا.
هذا في ايامنا الحاضرة اما منذ عشرين سنة فقد كان ادباؤنا يعنون بالجمال والفن في البناء الكتابي وكانوا ذوي صبوة صادقة الى الادب وكانوا في شغل شاغل بالثقافة العالمية ويجهدون انفسهم من اجل الادب كما يجهد عمال المناجم انفسهم من اجل الحصول على الذهب.اولئك كانوا يعشقون الادب للادب لم يتخذوه سلما الى الرفعة او طريقا الى الوصول لانهم صبوا الى الادب في وقت كان فيه منكور المقام فاقد القيمة في مجتمعنا الناشئ الصغير.
والفارق بين هؤلاء هو فارق الرغبة في الفن والصبوة الى الأدب دون طمع في الفائدة المادية التي لم تكن في حسابهم كمؤلف المسرحية البارع الذي لا يتوخى من تأليفه اياها بذل النصائخ والمواعظ والحكم فإن جاءت في عرض القصة فنعما هي .ولكنى اعتقد ان ادبنا ليس ادبا هزيلا بالقياس على الاداب العربية في البلدان الشقيقة فالادب المصري في خلال عشر السنوات الاخيرة هبط مستواه فاذا معاشر من كتابنا يقلدون فجأة ما ينتجونه ركيكا في اسلوبه ضعيفا في محتواه اخذا في السعة والانبساط دون ان يكون فيه عمق يتفق معهما ان يناسبها فكان ضحلا فاقد العمق.
وهذا طبيعي فتقليد من غزا السوق من الكتاب في مصر ممن لاشخصية لانتاجهم الادبي ادى الى هبوط المستوى عندنا ولهذا نجد الدعوة الصارخة الى "شعبية" الادب والادعاء بأنهم انما يكتبون للشعب الذي لا يفهم الاساليب العالمية.
هذا ما يدعو اليه كتاب كثيرون في مصر باستثناء القليل وهم يقومون بهذه الدعوة لانهم لا يملكون الا هذا النوع من البضاعة الرخيصة المزجاة.
وهؤلاء ليسوا مخيرين في انتاج هذا الاسلوب الركيك الذي لا يخلو م البريق الزائف لانهم لا يطيقون سواه.اما اذا كانوا يملكون الاسلوب العالي ويملكون بجانبه الاسلوب الركيك لقام لهم بعض العذر الذي يشفع للانحدار اما وهم لا يستطيعون فتلك دعوى مردودة وعذر غير مقبول.
والادب المصري في هذه الايام - باستثناء اليسير منه - ليس ادبا رفيعا لانه خلو من التجارب الشعورية الصادقة الموحية وعاطل من الجمال والفن وشرط الادب ان يكون الجمال والصدق اهم اسسسه وعناصره.وكل كتاب العالم العظماء المبرزين يمتازون بجمال الاسلوب ورفعته الى جانب قوة الفكرة وجمال المضمون وان جمال الفكرة يجب ان يتكافأ معه جمال الاسلوب.
وادبنا العربي في البلاد السعودية أوذي اشد الاذى بتقليد كتاب مصر الصغار الضعفاء المبتذلين المحرومين من الذوق الرفيع هؤلاء الكتاب الذين اتيحت لهم فرصة البروز لانهم تمكنوا من السيطرة على وسائل النشر المختلفة وتلبية رغبات من يدفعهم من السيطرة على وسائل النشر المختلفة وتلبية رغبات من يدفع بهم الى الهتاف باسمه والتنصفيق له.ولو سلم كتابنا من اقتفاء آثار الصعفاء في الاسلوب وفي الافكار لتحلصوا مما يؤخذ عليهم.
ومقومات ادبنا الحديث هي مقومات كل ادب لان الفنون جميعهاغ وفي فصولها الاولى تنبعث من ينابيع واحدة ومتشابهة ثم تختلف بعد ان تفارق المنبع الى المجرى وتصاغ بحسب هوى الكتاب وبيئاتهم ونصيب مجتمعهم من الضعف او القوة.
الا ان المقومات التي نشهدها في ادبنا الحديث ليس بالمقومات التي تبنى عليها الاداب الصحيحة فمقوماته الحاضرة ليست بذات قيمة اصيلة تجعل للادب شأنا في مجال الحياة والوجود وما كان من هذا الادب ادبا حقا لم يستوعب المقومات الا ضئيل بل ليس استيعابا ولكنه المام ادى الى ان نتعثر في الطريق وفقدنا في الميدان الادبي جنوداً مخلصين كان يرجى منهم الخير.وفي نظري ان اولى المقومات الحرية حرية الفكر وحرية الشعوب فإذا كان الحريق لونا من الجمال لانه انطلاق من القيود كالجمال الذي هو انطلاق من قيود المادة والضرورة اذ تطلق لمن يتملاه عقال شعوره وتأمله واحساسه فيلذ بالمتعة الفنية التي يتيحها له الجمال.
فحرية الفكر ان ينطلق الفكر نفسه حتى يكون قادرا على التصرف والتصريف وحرية الشعور ان يكون قادراً على التلقي والانفعال وعندما تلتقي حرية الفكر وحرية الشعور نجد الادب قادرا على التعبير الجميل الصادق عن تجاربه الشعورية وخواطره التي تتأثر بما في خارج النفس وداخلها.وبقدر نصيب الامة والادب او الانسان من الحرية يكون نصيبه من الرافعة.ونحن لا نكذب على انفسنا وعلى التاريخ فنزعم اننا نتمتع بهذا الحق الطبيعي وليس اللوم على الجهة الحاكمة لأن حرية الفكر والشعور مما لا سيطرة لها عليه ولا يستطيع احد ان يسلبه من صاحبه اما حرية النشر فشيء آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.