يموت شاب غرقا في السيل، وآخر من لدغة عقرب، وأمهات يلدن في الطريق، كل ذلك لأن الطريق أصبح "عقبة العصر" أمام مسني وشباب ونساء وأطفال ومدرسي ومدرسات "يهرة"، هذه القرية التي تغيب عن الوجود مع غروب الشمس بسبب انعدام الكهرباء، وتعيش تحت رعاية صحية بطبيب واحد.. قرية لم يتذكرها سوى الصدى، وأحضان الجبال. مع المرشد انطلقنا يرافقنا مرشدنا محمد علي دشن القحطاني قبيل صلاة الفجر حيث أدينا الصلاة خارج مدينة خميس مشيط، عبرنا مركز تندحة، ثم تجاوزنا مركز الحفائر، واجتزنا مركز "طريب" ليتجه بنا الطريق إلى مركز عرين قحطان، وفجأة دهمتنا تلك العقبة التي تسمى "عقبة العرقوب"، هذه العقبة المرعبة التي يقبع بين طياتها أكثر من 20 منحنى خطيرا يشبه قطر زاوية. وقفنا في مركز الأمواه الذي ما زال يفتقر إلى أبسط الخدمات على الرغم من وجود بلدية فيه، وسارعنا عبر طريق زراعي لننحرف فجأة عن جرف في الطريق كاد يودي بحياتنا، توقفنا من هول الموقف، ثم عدنا وواصلنا سيرنا عبر طريق رأينا فيه كثبان الرمل وقد غطت أجزاء كبيرة منه، تتربعه تشققات من آثار السيول. حينها مررنا بمركز "عمائر آل حميدان" فشاهدنا التقدم الذي شهده المركز خدماتيّا، أسرعنا لنطل عبر مرتفع رأينا من فوقه مركز الحمضة، وجبلا أبهرنا بجماله، حينها التقينا بأحد شباب قرية "يهرة"، عرّفنا بنفسه إنه "شديد مهدي آل مبطي"، وطلب منا الركوب في سيارة أخرى، فانطلق بنا بسرعة جنونية نسابق الريح عبر طريق ترابي وعر، تحتضنه المطبات والحفر، لدرجة لم نكن نسمع أحاديث بعضنا بعضا من شدّة الضجيج. قطعنا 60 كيلو مترا، عندها أطلّت علينا جبال "يهرة" الفاتنة، فانحدرنا عبر واد جميل، فبدأت تتناثر أمام أعيننا البيوت عن يمين ويسار الوادي. الطريق يتحوّل إلى شبح استقبلنا المواطن "مهدي صليم آل مبطي القحطاني"، وبدأ يشرح لنا كيف أن قرية "يهرة" التي يعيش فيها أكثر من 1500 نسمة تحلم كل عام بسفلتة الطريق الترابي، الذي مررنا به، ذلك الذي يربطهم بمركز الحمضة التلبع لمحافظة تثليث بطول 60 كلم، والذي يمر عبر سلسلة جبال وأودية تكثر فيها التعرجات وأشجار السدر والأراك، هذا الطريق الذي تسبب في إجهاض الحوامل، وتعطيل سيارة الإسعاف، وإعاقة تواصلهم مع المناطق المجاورة، التي تتوفر فيها الخدمات، ووقف كحجر عثرة في سبيل تطور القرية، وبدأ يحكي كيف تحتجز الأمطار الأهالي فتنقطع الدراسة، ويحول المطر دون وصول المعلمين والمعلمات. ولم يتردد نائب القرية "فهد مهدي محمد آل مبطي" بأن يذكر لنا أن الطريق هو السبب في تأخر وصول الخدمات للقرية، وهو الذي تسبب في تهالك سيارتهم، فعندما يذهب أحدهم لشراء مستلزمات منزله لا يعود إلا بنصفها، كونها تتلف من وعورة الطريق، وأن هذا الطريق كان عائقا في وصول المرضى حيث قال "لقد توفي أحد شباب القرية من لدغة عقرب، وآخر مات أثناء سقوط سيارته في حفرة سببتها الأمطار التي هطلت أخيرا على المنطقة". الظلام يقبع هنا لا يمكننا أن نتخيل أن الحياة تتوقف في الليل إلا بعد أن سمعنا معاناة أهل "يهرة" مع هذا الظلام الدامس، فمع غروب الشمس تسكن كل الكائنات ما عدا عواء الذئاب، وتربص السباع والأفاعي، فالكهرباء لم تصل إلى القرية بعد، وإلى هذا يشير المواطن "حمد شديد آل مبطي القحطاني" بأنهم يعلقون آمالا كبيرة على سرعة تنفيذ مشروع الكهرباء، بعد الطريق حتى تدب الحياة في مفاصل القرية، وقد استبشروا خيرا بأن مشروع الكهرباء تم استلامه مؤخرا، وتأملوا خيرا في وصوله، فالقرية تستضيء بنور القمر، والفوانيس، والمواطير التي لا تفي بالغرض. وبيّن آل مبطي أن أكثر ما يتطلع إليه الأهالي هو إيصال التيار الكهربائي لأنه سيكون سببا في إعادة الحياة لهم كما ينبغي على مستوى الأمور الصحية، والخدمية، ويضيف قائلا "تخيل أن تعيش في هذا الزمن بدون أن تشاهد التلفاز، أو أن تشرب ماء باردا، أو تعيش بلا تكييف، فالكهرباء حلم يراود الأهالي، فحين يجن الليل تتوقف حركة الناس، ويلزم الكل منزله ليكون قريبا من أسرته". صحة الناس في بيت شعبي شرح لنا المواطن "سعيد صليم آل مبطي" أزمة الخدمات الصحية كونها ضرورة لأي تجمع سكاني، وأنها أكثر ما تكون من ضرورة لسكان "يهرة" وذلك بحكم بعدهم عن المراكز والمحافظات التي تتوفر فيها كافة الخدمات العلاجية، فمركز الرعاية الصحية الأولية في القرية متدن في كل خدماته، ما يجعل طالب العلاج في حيرة من أمره، فهو يقع في مبنى شعبي يتكون من غرف صغيرة خصصت إحداها للطبيب الوحيد، الذي عادة ما يكون غائبا، والأخرى للصيدلية، والتي هي بلا صيدلي أساسا، والثالثة للضمادات، والتي هي بدورها بلا ممرض، وإن وجد فلا يتعدى وجوده يوما في الأسبوع. ويضيف آل مبطي، أن ضعف إمكانات المركز الصحي عطّل تطعيم أطفال القرية، وأوضح حاجتهم الملحة إلى تأسيس مركز رعاية صحية متكامل، يتوفر به أطباء وممرضون، وقسم للمختبر، والأسنان ، وقسم خاص بالنساء والتوليد، يوفر الرعاية الصحية الصحيحة. المطالبة بالأساسيات لم نستغرب تأكيد كثير من الأهالي، وكبار السن حاجتهم لكثير من الخدمات، واتفقوا جميعهم على عدم وجود بنية تحتية نهائيا، كما طالبوا بفتح مركز للشرطة والدفاع المدني لتأمين الوادي من المخاطر، وتوفير فرع للهلال الأحمر، وفرع للضمان الاجتماعي، وفرع للزراعة، ومكتب للبريد. خدمات غائبة بالجملة لم تحظ قرية يهرة بأي خدمة تذكر من بلدية تثليث فقد غابت عنها تماما، فالنظافة غير متوفرة، ولا فرق رش للبعوض، ويقول المواطن مبارك مهدي آل مبطي في هذا الصدد "إن البلدية لم تستجب لمطالبنا، ولم تقدم أي خدمة لهذه القرية، وقد طالبنا بفتح مكتب خدمات، وفرق رش، وسيارات نظافة، ووضع حاويات للقمامة، ومتابعتها بصفة مستمرة، أو وضع نقطة نظافة داخل القرية، والإسراع في تخصيص مخطط سكني وتوزيع أراضيه على المستحقين" ويضيف نحلم بسفلتة الشوارع، وبوجود متنزهات، وساحة شعبية تسهم في خدمه الأهالي" ويؤكد آل مبطي أن البلدية تقع على عاتقها مسؤولية عدم تطوير المركز ومساواتهم بالمراكز الأخرى. الكفاف يتنفس اتفق عدد من أعيان القبيلة مع حديث أحدهم عن حياتهم المعيشية، حيث قال "نحن نعيش حياة يومية بسيطة، فمصدر الدخل الوحيد في القرية هو تربية المواشي" وأضاف "هناك معضلة كبيرة تواجهنا في تربية الأغنام، حيث نعاني في نقل أكياس الشعير والأعلاف وارتفاع أسعارها، والقرية تحتاج إلى فرع للجمعية الخيرية، والتنمية الاجتماعية، حيث يوجد هنا أعداد غفيرة من ذوي الدخل المحدود وأصحاب الحاجة"، ويكمل "هناك بعض الأسر لم تستطع إلحاق أبنائهم بالمدارس، وذلك بسبب ضيق ذات اليد، فهم لا يستطيعون تأمين ملابس واحتياجات المدارس، علاوة على عدم قدرتهم على تأمين المصروف اليومي للبنات والأبناء، ففضلوا تركهم دون تعليم تجنبا لزيادة الديون التي أثقلت كاهلهم". تعليم لا يستطيع السير وعن التعليم يشير الأهالي في حديثهم إلى أنه يوجد في قرية "يهرة" مدرسة ابتدائية، ومتوسطة، وثانوية ليلي يدرس بها أكثر من 150 طالبا، أما الثانوية النهارية فهي ليست موجودة بتاتا، ويؤكدون بأنهم في أمس الحاجة لتوفر المرحلة الثانوية، ليتمكن الطلاب الذين يتخرجون من المرحلة المتوسطة من الالتحاق بالثانوية ومواصلة دراستهم، فتعليم الطلاب يتوقف عند المرحلة المتوسطة، وبعضهم يكمل تعليمه ليالي إن استطاع، وبيّن بعض أولياء أمور الطالبات بأنه يوجد لديهم مدرسة بنات، لكنهن يتوقفن عند المرحلة الابتدائية، فهناك كثير من طالبات لم يكملن تعليمهن وحرمن من ذلك لعدم توفر مدرسة متوسطة، وثانوية للبنات. الكهرباء على الدرب حملنا أوراقنا عائدين إلى المدينة، ونحن لم ننس هموم سكان قرية "يهرة"، فطرحنا مطالبهم وأسئلتهم على طاولة عدد من المعنيين، فلم يكن من رئيس القطاع الجنوبي للكهرباء المهندس منصور القحطاني إلا أن بشّر أهالي القرية بأن مشروع الكهرباء قد تم تسليمه إلى إحدى الشركات الوطنية الكبيرة، وتم المسح والحصر، وسوف يبدأ المقاول في تنفيذ إيصال التيار الكهربائي، وسوف تنعم القرية بالكهرباء في القريب العاجل، فالمشروع الآن في طور التنفيذ. "البلدية" ووعورة الطريق كما اعترف رئيس بلدية محافظة تثليث محمد عبدالله السهلي بأن قرية " يهرة" لا يوجد بها أي خدمه للبلدية، وذلك لوعورة الطريق، وصعوبة الوصول إليها مبينا أن الطريق الترابي أعاق وصول الخدمات، فلم تستطيع البلدية تقديم خدماتها، وحول مكتب خدمات قال السهلي "إن أقرب مكتب خدمات لقرية "يهرة" هو مكتب خدمات مركز الحمضة الذي يبعد عنهم 60 كليو مترا، لكن المكتب لايقدم أي خدم لهم، ونحن على استعداد في حال سفلتة الطريق أن نقدم لهم كل الخدمات، من إنارة ونظافة وتخصيص مخطط سكني وغيرها".