في وقتين متقاربين، شاهدت مقطعين مهمين على وسائل التواصل الاجتماعي، أولهما مقابلة مع اديبه روميرو، وهي إسبانية تعود جذورها إلى المورسكيين، وهم بقايا المسلمين بعد سقوط الحكم الإسلامي، وتحدثت اديبه عن محاكم التفتيش، وتعاملها مع المسلمين الذين لم يتمكنوا من الهجرة خارج إسبانيا، وقد أكدت ما ذكر في كتب التاريخ عن تلك الحقبة، ومنها إجبار المسلمين على اعتناق المسيحية، ما اضطرهم إلى فعل ذلك، مع بقاء مشاعرهم متعلقة بالإسلام، مع صعوبة ممارسة الشعائر الإسلامية إلا في الخفاء الشديد، فطقوس الزواج كانت تتم في الكنيسة، وبعد أشهر يذهبون بعيدا إلى الجبال لممارسة طقوس الزواج وفق الشريعة الإسلامية، أما ضفائر المرأة فلم تسلم من محاكم التفتيش، حيث حرمت، ويعاقب من يخالف ذلك، كما أن الحمامات العامة، التي تمثل النظافة، والرقي الذي أدخله المسلمون على الحضارة الغربية تم حظرها، فدبت الأمراض، وفتكت بالناس، وعزا الإسبان الوضع إلى المورسكيين، إذ فسرت الأمراض بوجودهم في المجتمع. فرضت محاكم التفتيش على المورسكيين عدم وضع أبواب على بيوتهم إلا من قماش حتى تسهل مباغتتهم، والدخول عليهم للتأكد من عدم ممارسة أي شعائر إسلامية، وهذا فيض من غيض مما ذكر في اللقاء، ليتبين لنا كيف يفكر الغربيون إزاءنا، وكيف يتصرفون معنا، ليس في الوقت الراهن الذي ظهر جليا في دعمهم العدوان الصهيوني على العزل في غزة، وقتل عشرات الآلاف، وتدمير المساكن، والمرافق المدنية كالمستشفيات، والمدارس، والمساجد. المشهد الثاني مثير للاستغراب، حيث تم استجواب ثلاث سيدات من رؤساء الجامعات الأمريكية، وهن رئيسة معهد MIT ماسستوشس التقني، ورئيسة جامعة بنسلفينيا، ورئيسة جامعة هارفارد، إذ طرحت عضو الكونجرس الأمريكي سؤالا محددا، وطلبت أن تكون الإجابة بنعم أو لا، وتم الاستجواب بطريقة فظة، كما في نبرة الصوت، ولغة الجسد، والوجه المتجهم، وينص السؤال على "هل الدعوة لإبادة اليهود تعتبر مخالفة لقواعد السلوك في الجامعة وتمثل تنمرا، ومضايقة لليهود وعداء للسامية"، وتمثلت إجابة رئيسات الجامعات الثلاث في أن الأمر يعتمد على السياق اللفظي، والفعل المترتب عليه، إلا أن عضو الكونجرس المستجوبة تكرر السؤال، وبصوت مرتفع، ولغة جافة لتنتزع إجابة بنعم، وتكرر هل تقصدين نعم، ورئيسات الجامعات يحاولن إيضاح الإجابة، لكنها تصر على الاختيار بين نعم ولا، كما أنها قالت لإحدى الرئيسات ألم تسمعي لفظ الانتفاضة؟ في محاولة منها لتكريس فكرة أن اليهود في خطر، والغريب في الأمر أنها قالت لرئيسة جامعة هارفارد، وهي من ذوي البشرة السمراء، "يجب عليك الاستقالة من المنصب". هذه الاستجوابات جاءت على خلفية الاحتجاجات التي عمت شوارع الغرب، وجامعاته، بما فيه أمريكا، تنديدا بالمذبحة التي يمارسها الكيان الصهيوني في حق غزة. وما إصرار عضو الكونجرس على انتزاع إجابة نعم إلا لتحقيق شيء من الدعم المعنوي للكيان، لإظهار خطأ المتظاهرين، وكذلك إخافة مسؤولي الجامعات الآخرين، حتى لا يسمح بالتعبير عن الرأي الحر الذي يفضح الإدارة الأمريكية، ويعري تصرفات الكيان الهمجية. وقد قرأت أخيرا أن ليز ماجيل رئيسة جامعة بنسلفينيا استقالت نتيجة ضغوط وتهديدات تعرضت لها. لو كنت حاضرا عملية الاستجواب كمراقب لسألت عضو الكونجرس: لماذا لم تستجوب رئيس جامعة ليبرتي، الذي خاطب جمهورا غفيرا من الطلاب وطالبهم باقتناء السلاح، وأبدى استعداد الجامعة لتدريبهم على استخدامه، وذلك لقتل المسلمين، طبعا الدعوة لقتل المسلمين ليست تنمرا، ولا مضايقة، ولا تهديدا وتحريضا، كما أن ما يفعله الكيان الصهيوني من قتل وتدمير أمر محبب لعضو الكونجرس، وغيرها من الصهاينة المسيطرين على القرار الأمريكي. لم أكن أتوقع أن أرى في يوم من الأيام رؤساء جامعات أمريكية يجلبون إلى الكونجرس ويستجوبون على شعارات رددها طلاب متظاهرون، يعترضون على المذبحة الصهيونية لأهل غزة، فأقل ما يقال في هذا الفعل إنه مناف لحرية التعبير، التي كثيرا ما افتخر بها مسؤولو أمريكا وإعلامها، وينتقدون كثيرا دولا وكيانات بشأن حرية التعبير، إلا أن الجميع حكومة، ومشرعين، وإعلاما، فضحوا أنفسهم، وانكشف الزيف الذي انخدع به الكثير. نقلا عن الاقتصادية