لدى كل الأمم والمجتمعات ، مناسبات وطنية كبرى ، يحتفلون بها ، ويستذكرون تاريخهم ورجالهم وبطولاتهم.. ويبدو أنه لا تخلو أمة من الأمم ، من هذا التقليد ، الذي أضحى ثابتاً في مشهد وحياة الأمم والمجتمعات.. المناسبات الوطنية هي أحد الإطارات التي تجعلنا نكتشف جهد وفعل المؤسسين ، وأن إنجازاتهم وكسبهم التاريخي لم يأتيا صدفة ، وإنما بعملهم وجهدهم وإرادتهم.. وإن الاحتفاء بهذه المناسبات، يعني فيما يعني بذل الجهد في سبيل تطوير المنجز التاريخي وإيصاله إلى مستويات متقدمة جديدة ولا ريب أن طبيعة الثقافة السائدة لدى الأمم ، هي التي تحدد إلى حد بعيد ، طبيعة وشكل الاحتفاء بالمناسبات الوطنية ، واستذكار الأبطال وبطولاتهم.. ولكن الجامع المشترك لدى جميع الأمم ، أنه في مناسباتهم الوطنية الكبرى ، يتم استرجاع المعاني الجوهرية للوحدة والتوحيد ، وكيف أن الوحدة ساهمت بشكل كبير وأساسي في تجميع مواقع جغرافية متباعدة وبناء دولة.. ولعل من المعاني النبيلة التي يتم التأكيد عليها دائما في الذكريات الوطنية ، هي الوحدة الوطنية ، وكيف أن أولئك النفر قليلي العدد والعدة ، استطاعوا بوحدتهم وإرادتهم وتصميمهم على الوصول إلى غاياتهم في بناء وطن وتشييد دولة.. وإن الوحدة الداخلية هي حجر الأساس في بناء الأوطان ، وإنها هي التي تحول دون الاختراقات وتحريف مسيرة الوطن الواحد القائمة على المساواة والتسامح والعلاقة الصادقة مع الوطن والمواطنين.. في هذه الذكريات الوطنية ،المواطن بحاجة لأن يعرض نفسه على القيم والمبادئ التي جسدها جيل التأسيس ، ويبذل كل الجهد لتطبيقها في واقعه والالتزام بمقتضياتها في مسيرته العامة والخاصة.. فالموظف في دائرته لابد أن يعرض سلوكه الوظيفي على القيم الكبرى التي جسدها جيل التأسيس ، ويبتعد في سلوكه الوظيفي عن كل ما يناقضها ويعارضها ، وكذلك المعلم والمسؤول الإداري والعامل ومسؤول الخدمات وكل المستويات الوظيفية.. إن هذه المناسبات تحمّلنا جميعا مسؤولية تطوير الوطن في إطار السياق الحضاري الإسلامي ، الذي يجعل الإنسان محور حركته وقطب تنميته وغاية جهده ومقياس نجاحه وتفوقه.. والمناسبات الوطنية هي فرصة لمراجعة المسيرة ، والإضافة النوعية إلى فضائها ، ورفدها بالرأي السديد والجهد المتواصل.. وحين التفكير العميق في التجربة التاريخية التي بنت الوطن ، نجد أن الوحدة هي حجر الأساس في هذه التجربة.. وحدة وطنية لا تعسف فيها ولا إسفاف ، وحدة القضية الوطنية ، والوطن الواحد ، وحدة المصير المشترك ، وحدة البناء والتطوير ، وحدة الإنسان من أقصى الوطن إلى أقصاه.. بهذه المعالم والمؤشرات ، نبني الذات الوطنية ، ونعمق أسباب الوئام الاجتماعي والوطني. وهذا هو خيارنا الوحيد والحضاري ، الذي يخرجنا جميعا من مآزق عديدة وإشكاليات لا تحصى.. إن الوطن ينهض بنهوض قيم التقدم والسلم المجتمعي والشراكة الوطنية وإرادة وطنية مستديمة في هذا السبيل ، ويسقط ببروز قيم التخلف والتعصب والانغلاق على الذات تاريخا ووجودا معاصرا.. وإن قيم الشراكة الوطنية ، هي التي توفر الظروف الذاتية والموضوعية ، لإنهاء الانغلاق الداخلي ، وتحبط مؤامرات الخارج التي تسعى نحو التفتيت والتقسيم.. وإن الوطنية الحقة تبدأ بالقبول النفسي والعقلي بالآخر المغاير على قاعدة الوطن الواحد والمصير المشترك.. وهذا القبول بدوره يبلور صيغ التفاعل والتضامن مع الآخر اجتماعيا وثقافيا ووطنيا.. وتجديد الذات الوطنية ، يبدأ فعلياً حين يتم الإقلاع عن العناوين الضيقة والدوائر المغلقة ، والتعصب الأعمى الذي يغذي كل دوائر الانفصال الشعوري والاجتماعي والسياسي ، ويغذي كلّ غرائز التجزئة والتفتيت والتقسيم.. وعليه فإن أمن الذات يرتبط بأمن الوطن ، ولايمكننا أن نتصور أمناً مجزأ ، وإن الدولة الحديثة ليست مؤسسة جاهزة ، وإنما هي جهد مستمر ، يبذله الواعون والمخلصون من أبناء الوطن ، ويتجه إلى خلق الشروط الجديدة ، والمناخ الوطني الجديد ، الذي يرفع عند المواطنين جميعا فكرة الشعور بالمسؤولية الوطنية ، وبهذا تنطلق جميع القوى والشرائح الاجتماعية في عملية البناء الوطني الشامل.. وحريّ بنا جميعا في هذه المناسبات الوطنية الكبرى ، أن نفكر بعمق في تجديد ذاتنا الوطنية ، والعمل من مختلف المواقع والمستويات على تطوير الوطن وعزته.. وذلك لأن الاحتفاء بالمنجزات التاريخية لا يعني إلا المزيد من العمل، وبذل الجهد في سبيل تواصلية تاريخية ، تربط منجزات الماضي بإضافات وإبداعات الحاضر.. وذكريات الوطن ليست حدثا عابرا ، وإنما هي مسار تاريخي متواصل ينبغي أن نتعامل معه وفق رؤية حضارية تتجه إلى توحيد الرؤية ورص الصفوف صوب الأهداف الوطنية العليا.. فهي مناسبات تحفزنا للعمل والجهد المتواصل مذللين في سبيل الوطن كل العقبات التي تحول دون رفعة الوطن وعزة المواطنين.. ومن الضروري في هذه المناسبات الكبرى أن نؤكد على ما يلي: 1- أن الأوطان لا تُبنى بالشعارات الفارغة ، وإنما تبنى بجهود الرجال وتصميمهم وإرادتهم التي لا تلين ، وصبرهم على الأذى وتحملهم للمسؤولية التاريخية والوطنية.. فبناء الأوطان بحاجة دائما إلى الفعل الرشيد ، الذي يتجه إلى القضايا الكبرى ويتحمل في سبيل ذلك كل الصعاب التي تعترض طريقهم وتمنع من مواصلة مسيرتهم.. والمناسبات الوطنية هي أحد الإطارات التي تجعلنا نكتشف جهد وفعل المؤسسين ، وأن إنجازاتهم وكسبهم التاريخي لم يأتيا صدفة ، وإنما بعملهم وجهدهم وإرادتهم.. وإن الاحتفاء بهذه المناسبات ، يعني فيما يعني بذل الجهد في سبيل تطوير المنجز التاريخي وإيصاله إلى مستويات متقدمة جديدة.. ودائما الأوطان بحاجة إلى الرجال المخلصين ، الذين يتحملون في سبيل الوطن كل الصعاب ، ويبذلون في سبيله كل غال ونفيس.. ويجانب الصواب من يرى أن الأوطان تُبنى بالتمنيات الكبرى أو الآمال البعيدة عن العمل والسعي والكسب الإنساني.. 2- إن الاحتفاء بالمناسبات الوطنية ، يجعلنا نقترب من مفاهيم التجربة التاريخية وآفاقها الوطنية والإنسانية.. لذلك من الضروري أن نهتم بقراءة تاريخنا الوطني ، والتعرف على أحداثه ورجاله ، والقرب من منعطفاته وتحولاته ، واستيعاب دروسه وعبره ، وتركيز مبادئه وآفاقه.. فلتكن المناسبات الوطنية حافزاً لكتابة وقراءة تاريخنا الوطني من جديد.. وجوهر الاحتفاء بالمناسبات الوطنية ، يعني تجديد ذاتنا الوطنية عبر قراءة تاريخنا الوطني ، واكتشاف تحولاته وأحداثه ، وقراءتها وفق معطيات ومتطلبات اللحظة التاريخية.. نقلا عن الرياض