لدينا هنا في بلادنا وهم لدى البعض يجعلهم يظنون أن بين الانتماء للوطن والانتماء للإسلام تناقض أو تضاد، أو أن الاعتزاز بالوطنية يعني انحيازاً ضد كل ما هو غير وطني، لذا برزت عندهم مواقف متنوعة، منها موقف يعارض الاحتفاء بيوم للوطن يذكرنا بأهم الأحداث التي وقعت على أرضه، وموقف أشد معارضة للتربية الوطنية في المدارس، وموقف معارض للانتماء إلى جماعة على أساس المواطنة، ظناً منهم أن هذا يلغي الانتماء إلى جماعة المسلمين، وكما تهيأ لأحد الفضلاء مؤخراً أن للوطنية دخل في الانحياز ضد غير السعوديين بما يشبه العنصرية، وزعم أن الوطنية مفهوم غامض، وغريب عن ثقافتنا، وما للوطنية وهذه المزاعم، فالوطنية في وادٍ وتلك المزاعم في وادٍ آخر، والوطنية تعني الانتماء إلى العمل الجاد المخلص للوطن دفاعاً عنه، وحماية له من عدوان خارجي أو تخريب داخلي وقيام بشأن أهله، وتضحية في سبيل عزته وكرامته، وهذا مما يحث عليه الشرع ويؤيده العقل، ويراه كل العقلاء نبلاً وشجاعة، لا يضاهيه من الفعل الجميل الصائب شيء آخر، وإذا افتقدت الأوطان في أبنائها الوطنية المخلصة فإنها تصبح نهباً للأعداء من الخارج والطوابير المرتكسة من الداخل، وتضيع هيبتها، وتفقد مكانتها بين أوطان الأمم، والظن أن أسلمة الوطنية والتي لا تتحقق عند البعض إلا بنفي الوطنية بالكلية، ستحفظ للوطن عزته، إنما هو وهم لا يتحقق على أرض الواقع، وهو لن يحقق لنا في عالم اليوم شيئاً ذي بال، ولعل الهجوم الدائم على كل ما يتعلق بالوطن والوطنية خوفاً أن يعارض ذلك شيئاً من قيم الإسلام أو أحكامه، هو ما أوهن الشعور بالوطنية لدى أبنائنا وأبعد بعضهم بالكلية عن العمل الوطني المخلص، وغرس في أذهانهم أن الوطن في غير حاجة لجهودهم، وأن بؤر الصراع في شتى أرجاء الدنيا ما دام أحد طرفيها مسلماً أولى منهم بكل جهد يبذل، فرأيناهم زمراً يغدون إلى ساحات الموت، فيكونون وقوداً لها دون غاية أو هدف، فعاد ذلك عليهم وعلينا بالخسران، شوهت صورتنا خارج حدود بلادنا، وفقدنا جهدهم الذي هو في الأصل الذي يبني الأوطان، ثم عادوا إلينا قنابل موقوتة تفجر في ساحاتنا تنثر الدماء وتشيع الرعب بين الناس، ولو أنهم يا سادتي تلقوا تربية دينية أصيلة، وتربية وطنية راقية، لكانوا لوطنهم في كل خير أعواناً ولنبذوا كل شر، وعملوا للنهوض بوطنهم والرقي بأوضاعه، فالتشكيك في الوطنية وتصوير العمل الوطني مناقضاً للإسلام شر ابتلينا به في هذا الزمان، وآن الأوان أن نجتمع على كلمة سواء ألا تناقض أو تضاد بينهما، ولنملأ نفوس أبنائنا حماساً للعمل لوطنهم فهم بذلك يسعدون ووطنهم ينهض، فذاك ما نرجو والله ولي التوفيق. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043