نحن في المملكة العربية السعودية، لسنا استثناء من الشعوب.. فلنا لحظات كبرى وتأسيسية، ينبغي أن تخلد، ومن الضروري أن تتعرف باستمرار الأجيال الطالعة على حقائقها ومكاسبها والنقاط المضيئة فيها.. كل الأمم والشعوب تقف في مناسباتها الوطنية الكبرى والخالدة، للتأمل والتفكر والمدارسة، وأخذ العبر والدروس من تلك اللحظات الاستثنائية التي ساهمت في انتصار هذه الأمة على أعدائها، أو تمكنت هذه الأمة من الانعتاق من احتلال غاشم، كان يمارس الظلم والحيف بحق أبناء البلد وينهب ثرواتهم ويمتهن كراماتهم.. أو تلك اللحظات التي أسست لوطن بعد تبعثر وانقسام وفوضى.. إن كل هذه اللحظات التأسيسية لدى كل الأمم والشعوب، هي لحظات يتم الاحتفال بها، والعمل على إبراز أولئك النفر الذين بذلوا وضحوا وتركوا بصمات نوعية في مسيرة مجتمعاتهم وأوطانهم.. ونحن في المملكة العربية السعودية، لسنا استثناء من الشعوب.. فلنا لحظات كبرى وتأسيسية، ينبغي أن تخلد، ومن الضروري أن تتعرف باستمرار الأجيال الطالعة على حقائقها ومكاسبها والنقاط المضيئة فيها.. ولعل من أهم المناسبات الوطنية لدينا في المملكة هي مناسبة اليوم الوطني، حيث في هذا اليوم تم تدشين مرحلة جديدة من تاريخ مجتمعنا ووطننا، ونقلنا من طور إلى آخر، ومن مرحلة لأخرى.. وهو من الأيام الخالدة، لأنه وحد هذا الوطن، وأنهى كل مظاهر الفرقة والتشرذم في المناطق المختلفة للملكة.. ونحن في هذا اليوم الوطني ننتهز هذه الفرصة لنبارك للقيادة والشعب مرور هذه المناسبة الوطنية الكبرى، وندعو الجميع لانتهاز هذه الفرصة ، للاستفادة من دروسها وعبرها، وعقد العزم والإرادة للإضافة على هذا المنجز، منجزات وطنية جديدة، تعزز من قوة الوطن ورفعته على المستويات كافة.. ونحن في ذكرى اليوم الوطني، نود التأكيد على النقاط التالية : كل الأمم والشعوب تعتني بتاريخها السياسي والاجتماعي، وتعمل عبر مؤسسات بحثية ومبادرات علمية، لتدوين دقائق وتفاصيل هذا التاريخ وتظهير كل الأحداث والوقائع المختلفة التي وقعت في المجتمع أو الوطن.. لهذا فإننا نشعر بأهمية العمل على إطلاق مراكز بحثية ومبادرات علمية، لتدوين تاريخ الوطن وتوثيق أحداثه ورجالاته.. ولعل من أبرز اللحظات التي من المناسب الإعلان عن مبادرات وطنية لكتابة تاريخ الوطن وتطوراته المختلفة، هو ذكرى اليوم الوطني.. فأحداث التاريخ وتطوراته، هي ملك الوطن، ومن الضروري توثيق هذه الأحداث، حتى لا تضيع الحقائق، وحتى نتمكن من صيانة تاريخنا السياسي والوطني من الضياع.. وبطبيعة الحال نحن ندرك أن هناك مؤسسات تعنى بهذا الشأن، وعملت الشيء الكثير على هذا الصعيد، إلا أننا نعتقد أن التاريخ السياسي والاجتماعي الوطني، يحتاج إلى الكثير من والمؤسسات والمبادرات التي تتجه صوب توثيقه وحفظ حقائقه.. وبالإمكان على هذا الصعيد إطلاق مبادرات محلية على مستوى كل منطقة، لحفظ تاريخ هذه المنطقة وأعلامها وأحداثها المختلفة وعقد الندوات والمؤتمرات التي تستهدف تحليل أحداث التاريخ ووقائعه المختلفة، كخطوة أولى في مشروع تدوين تاريخ الوطن كله من أقصاه إلى أقصاه.. إن الأمم والشعوب الحية، هي التي لا تكتفي بمنجزات آبائها وأجدادها، وإنما تعمل عبر إمكاناتها وطاقاتها المختلفة لإضافة وصنع منجزات جديدة، تساهم في تعزيز قوة المجتمع والوطن.. أما المجتمعات الميتة فهي التي تعيش على منجزات آبائها وأجدادها، دون أن توفر في راهنها أي قدرة لصناعة امجاد وانتصارات جديدة.. فمن حق الجميع أن يحتفل ويفرح بالمنجزات التاريخية، التي تحققت لهذا الوطن.. ولكن من الضروري القول: إن المطلوب ليس الاحتفال فحسب، لأن حفظ منجزات الآباء والأجداد، يتطلب العمل والسعي المستديم، لتحقيق منجزات جديدة، تضاف إلى منجزات التاريخ، وتوصل حلقات التطور والتقدم في المجتمع والوطن.. لهذا تعمل بعض الأمم والشعوب، لتأكيد هذه الحقيقة، وغرسها في نفوس وعقول أبنائها، إنها تنتهز فرصة المناسبات الوطنية الكبرى، للإعلان عن منجز وطني جديد على مستويات الحياة المختلفة .. فالأمم لا تحيا بأمجاد الماضي، بل بمنجزات الحاضر والراهن، ولا ريب أن تحقيق هذه المنجزات، يتطلب العمل الحثيث على مختلف الصعد، للتمكن من تحقيق فقرات علمية أو صناعية أو تكنولوجية أو اقتصادية جديدة.. بطبيعة الحال من لا يعمل هو الذي لا يخطئ، أما الذي يعمل فهو معرض للخطأ والتقصير، أسوق هذا الكلام ليس للتبرير، وإنما للتأكيد على ضرورة مراجعة الأعمال، وتصحيح الأخطاء، واغتنام فرصة المناسبات الوطنية الكبرى لتجديد العزم والإرادة على الإصلاح والتطوير وسد الثغرات ومعالجة الأخطاء، وتجاوز كل ما يحول دون التصحيح والاصلاح.. فمجتمعنا كبقية المجتمعات الإنسانية، ليسوا ملائكة، لذلك فنحن جميعا نخطئ ونقصر والتعامل مع أبناء الوطن وبالذات المسؤولين وكأنهم ملائكة، لا يخطئون ولا يقصرون، يضر بالوطن، لأنه يراكم من الأخطاء ويفاقم من المشكلات، دون إرادة للمعالجة والإصلاح.. لهذا فإننا من الضروري أن ندرك أن في المسيرة الإدارية والتنموية والخدمية، بعض أخطاء وتقصيرات، فتعالوا جميعا مسؤولين ومواطنين ننتهز فرصة ذكرى اليوم الوطني، للإعلان عن جهد وطني فعال .. والمجتمعات على هذا الصعيد لا تختلف عن بعضها البعض، إلا في طريقة التعامل مع الثغرات والأخطاء.. فالمجتمع الذي يعترف، ويمتلك إرادة المعالجة والإصلاح، فإن هذا المجتمع يتطور ويتقدم باطراد.. أما المجتمع الذي لا يعترف بالأخطاء، ولا يعمل على تصحيحها ويتعامل مع أفراده وكأنهم من جنس الملائكة، فإن مشاكله تتفاقم وأزماته تتراكم ويتراجع على مستوى نوعية الحياة.. ونحن في ذكرى اليوم الوطني نجدد دعوتنا إلى التعامل مع مجتمعنا، كما تتعامل الدول المتقدمة مع مجتمعاتها.. فهي مجتمعات تقع في الخطأ وترتكبه، ولكن دولها لا تخفي هذه الأخطاء، وإنما تعمل على معالجتها وإنهاء أسبابها من فضائها ومحيطها.. وهكذا نحن ينبغي أن نتعامل مع أنفسنا، فنحن لسنا ملائكة، فتعالوا جميعا في ذكرى اليوم الوطني المجيد، ومن مختلف مواقعنا الإدراية والاجتماعية على عقد العزم ومؤازرة خطى الإصلاح، حتى نتمكن من صيانة المنجز الوطني التاريخي.