يبدو أن العقال تحوّل إلى أداة تأديب وإصلاح -كما يرى البعض- وذلك امتدادًا لاستعماله في حالات العنف الأسري، التي امتدت -كما يبدو- لكل امرأة يراها من استهواه العنف، واتّخذه وسيلة سهلة -كما يعتقد- لحل المسائل الخلافية بين الناس، وفى ذلك نوع من البلطجة الاجتماعية، ومؤشر خطير يجب التوقف عنده طويلاً. إن حملة تأديب النساء بالعقال تلك أصابتنا والعالم بالدهشة، وجعلتنا في سدة الأخبار المتسائلة عن خلفياتها، والفكر الذي صدرت منه، باعتباره أولاً تعدّي على الحقوق العامة لأفراد كفل لهم الشرع والأنظمة الأمن والأمان، والدولة وحدها المخوّلة بمحاسبة المخالفين، فإذا أعطت جماعة ما -أيًّا كان مسمّاها- أنفسهم الحق أن يكونوا بديلاً عن النظام، أصبحنا في فوضى اجتماعية مرفوضة من الجميع، يشاركهم في ذلك من يتسارع إلى تأليبهم وبأي طرق كانت. ومن الطبيعي في المجتمعات أن يختلف الناس ويتفقوا، ولكن دون التعدّي على بعضهم البعض، لا بتهديدات، أو شعارات، أو تجييش الرأي العام في اتّجاهات سلبية، أصبحت تصب في خانة الشخصنة، التي دفعت البعض إلى سكب التُّهم ببساطة على النساء بتفسيقهنّ، وتجريمهنّ، إضافة إلى ما سبق من التُّهم المعروفة للجميع سلفًا، من كثرة ترديدها على ألسنة جماهير المريدين، والمرددين لآراء البعض، الذين باتوا ضليعين في مسائل التأليب الاجتماعي المنطلق من خاصية: من أين تؤكل الكتف؟! وكان العقال المرفوع إحدى صرعاتها الأخيرة. وهذه الحملة البغيضة بتجاوزها المبادئ؛ ثم النظام والمنطق والآداب العامة، ليس ممّا يمكن أن نمرّ عنده بسهولة دون أن نستقرؤه جيدًا، لأنه مؤشر على عمق يغلي، أليس لمشكلاتنا حل حضاري يتم دون ذكر للعقال، والجَلد، والعقاب، الذي يستحضر في كل اختلاف في الرأي، في مجتمع فتي يواجه حِراكًا مستمرًا، وتغيرات مختلفة؛ على كل المستويات كبقية المجتمعات الإنسانية؟! أم أننا من جبّلة أخرى حتى نتواجه بكل ذلك العنف، الذي يقدم للمجتمع صورة مهلهلة خائرة، لا همّ لها إلاّ مطاردة نعجاته الشاردة بالعقال والعصي. أنعتبر ذلك إخفاقًا تربويًّا لم تفلح فيه تربية ومناهج دينية، وكذلك الخطب والمواعظ والنشرات والدورات؟! أم أسريًّا في نشأة مترددة مهزوزة عنيفة تجاه النساء، زرعناها في أبنائنا، وأخواتنا، وأزواجنا، حتى رضعوا العنف، وردوه لنا عقالاً مرفوعًا؟! أم أنها نبت فكر متزمت اجتماعي صاعد وخفي، يبث تدريجيًّا بذور التشدد والفرقة والتشرذم في المجتمع، متّخذًا في ذلك سواتر براقة تلقى قبولاً اجتماعيًّا تدغدغ به عاطفة المجتمع وميوله، والتي يعرف هؤلاء مكامنها جيدًا، والنساء من أولوياتها المفضلة كما نعلم جميعًا، وليس هذا من عندي، بل من عندهم؟! وإلاّ لِمَ كل ذلك التهويل في تصوّر توقعات كارثية لما هو حادث في الواقع ببساطة شديدة في كل المجتمعات الإسلامية وغيرها؟ ولماذا نعتقد أن نساءنا يحملن دائمًا أجندة خفية، تجترح ما تربينا عليه من الدِّين والقيم والعادات، سوف يبرزنها في أي فرصة سانحة، رغم أن كل الشواهد الحضارية والإنجازات التي قدمتها المرأة السعودية؛ تؤكد تمسكها بدينها وقيمها أينما ذهبت ومهما أنجزت، وأن أبناءنا وحوش ضارية ستنطلق مجرد أن ترى الفريسة منقضة عليها، وكأن الحياة قائمة وفق نظام الغابة الغريزي؟! وأين الفضيلة والأخلاق الحميدة، وكل المبادئ السمحة التي نادى بها الدِّين الحميد، حتى نواجه نساءنا بالضرب، والجَلد، والسحل، ورجالنا بالشك والريبة بصفة مستمرة، وعند أي خلاف يظهر؟!هالني ما قرأتُ من ردود الفعل -هنا وهناك- على ما كُتب في هذا الموضوع، وأحزنني كثيرًا بعضها، خاصة مَن ربط هذا بضعف الإيمان أو قوته، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولا يجوز على الإطلاق الحكم على إيمان الإنسان، لمجرد الاختلاف في الرأي في فكر أو مسألة. إن الأمر يتطلب منّا إعادة النظر في منظومتنا الفكرية والتعليمية والاجتماعية، وإصلاحها من الجذور، وزرع مبادئ حقيقية للحوار بين أطراف المجتمع وفئاته المختلفة، حتى لا تعمم منظومة العقال على كل الخلافات الفكرية التي واجهتنا وستواجهنا دائمًا! نقلا عن المدينة