أحد أهم المظاهر الاقتصادية التي تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، وبالتالي خلق المزيد من الوظائف وارتفاع متوسط الدخل الفردي، هو تحقيق التوزيع الكفؤ للموارد الاقتصادية. وهنا الموارد الاقتصادية تشمل ثلاثة عناصر رئيسة تشكل في مجملها العناصر الرئيسة للإنتاج، وهي عنصر العمل المتمثل في المورد البشري، ورأس المال المتمثل في الآلات والمعدات اللازمة لتحقيق العملية الإنتاجية، والثالث هو عنصر الأرض. ثلاثة عناصر يلزم توافرها لتحقيق أي إنتاج حقيقي, وتوزيعها بشكل كفؤ يمثل المشكلة الرئيسة التي يواجهها الاقتصاد. لأنه كلما كانت هذه الموارد موظفة بشكل كفؤ، بما يعني أنها تحقق أكبر إنتاج اقتصادي لها، فمعنى ذلك أن هناك نموا سيتحقق في الإنتاج، وبالتالي سيزداد متوسط الدخل بشكل مستمر. إذاً هناك جانبان للمشكلة الاقتصادية الرئيسة التي أشرت إليها, وهي التوزيع الكفؤ للموارد الاقتصادية، الأول يتمثل في التأكد من أن الموارد الاقتصادية موزعة بشكل يحقق الاستفادة الأكبر منها في تحقيق أعلى معدل إنتاجي. والآخر يتمثل في التأكد من أن الموارد المتوافرة موظفة توظيفاً كاملاً، بما يعني أنه لا يوجد هناك مورد اقتصادي معطل، بما يسبب نزيفاً مستمراً في الاقتصاد. ولتوضيح هذا الجانب بشكل أكثر عمقاً، أشير هنا إلى أن هناك في الاقتصاد فرقا بين ما يسمى النمو الاقتصادي Economic Growth والنمو الاقتصادي المحتمل Potential Growth. فالأول يشير إلى النمو الاقتصادي المتحقق خلال سنة معينة، أو التغير النسبي في الناتج المحلي الإجمالي، بينما العنصر الثاني فيمثل مسار النمو المحتمل على المدى الطويل, الذي يمكن أن يحققه الاقتصاد في حال تم توظيف موارده توظيفاً كاملاً وكفؤاً في الوقت نفسه. لذلك، كلما زاد معدل النمو الاقتصادي اقترب أكثر من مسار النمو المحتمل على المدى الطويل. هذا لا يعني أن معدل النمو الاقتصادي لا يمكن أن يتعدى النمو المحتمل على المدى الطويل، بل يمكن تحقيق ذلك في حال كان هناك تغير تكنولوجي أو ارتفاع في مستوى الموارد الاقتصادية، وهو ما يعني أنه في الواقع يتغير معدل النمو المحتمل على المدى الطويل بشكل مستمر. هذه المقدمة بالطبع نظرية، لكنها تمثل قاعدة أساسية يتم بناءً عليها تقييم معدل النمو الاقتصادي، وبالتالي فإنها تمثل مرجعية لعملية وضع السياسات والأهداف الاقتصادية المتعلقة بالنمو. على سبيل المثال، قد تكون هناك عمالة وطنية معطلة، أو غير مستغلة الاستغلال الأمثل، أو أنه تمت الاستعاضة عنها بعمالة أجنبية لتحقيق الإنتاج المطلوب. مهما اعتقدنا أن ذلك سيحقق ارتفاعاً في معدل النمو الاقتصادي، فإن ذلك قد يكون صحيحاً، لكنه سيظل دائماً معدل نمو بطيئا ومتواضعا مقارنة بكون هذا النمو ناتجا عن توظيف العمالة الوطنية المعطلة.. لماذا؟ لأننا قد نحقق فوائد على المدى القصير من توظيف عمالة أجنبية يتمثل في الحصول على المنتجات من السلع والخدمات بأسعار منخفضة، لكن ذلك سيكون على حساب الحد من إمكانات الطلب المحلي بسبب أن هناك نسبة كبيرة من المواطنين لا تستطيع تحقيق الاستهلاك بشكل فاعل كغيرها، وبالتالي يخسر الاقتصاد إنتاج هذه الفئة والعوائد من استهلاكها الفاعل فيما لو كانت تحقق معدلات دخل قريبة من متوسط الدخل في الاقتصاد، وفي الوقت نفسه ستمثل هذه الفئة عبئاً على نظام الضمان الاجتماعي. هذا الجانب أيضاً يتعلق بالأرض التي تمثل عناصر الإنتاج الرئيسية, كما أشرت في السابق، وعدم استغلال هذه الأرض سيحد بشكل كبير من إمكانات النمو الاقتصادي، وبالتالي سيحد من خلق الفرص للأجيال الحالية والقادمة. أضف إلى ذلك، أن وجود هذه الأرض وعدم استخدامها يسبب نزفاً مشابهاً للنزف الذي يتحقق من الموارد البشرية الوطنية غير المستغلة الذي أشرت إليه، حيث إن كثيرا من الخدمات توفر لهذه الأرض، ومع ذلك تظل غير مستغلة لتحقيق الإنتاج المطلوب، سواء بالاستغلال للسكن، أو لبناء مركز تجاري، أو لبناء مصنع، أو لبناء مدرسة. كل هذه تمثل فرصا بديلة يخسرها الاقتصاد، وبالتالي تحد من إمكانات نموه التي يمكن تحقيقها فيما لو تم توظيف هذه الموارد بشكل أفضل. مثال أخير يتعلق بتوظيف رأس المال التوظيف الأمثل، حيث إن توجيه رأس المال للاستثمارات المنتجة التي تحقق أعلى عائد اقتصادي واجتماعي، يسهم في زيادة التوظف، وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي. المشكلة أيضاً تتمثل في عدم توظيف رأس المال بالشكل المطلوب، سواءً بسبب عدم توافر البيئة القانونية والاستثمارية اللازمة، أو بسبب عدم وجود توجيه أفضل لهذه الموارد، سواء من خلال خلق الفرص، أو من خلال بعض السياسات التي تشجع الاستثمار دون اعتبار لكفاءته في تحقيق العائد الاقتصادي والاجتماعي المطلوب. ما نشهده في اقتصادنا استنزاف لكثير من الموارد الاقتصادية سواءً البشرية أو المادية, ما يؤدي إلى ضياع الكثير من فرص النمو الاقتصادي. إمكانات اقتصادنا كبيرة جداً، لكن هذه الإمكانات لا تستغل بالشكل المطلوب بسبب أن الكثير من الجهات الحكومية أو مؤسسات القطاع الخاص لا يعنيها أو لا تستوعب بشكل صحيح أهمية العمل على توظيف الموارد الاقتصادية بالشكل المطلوب. خذ على سبيل المثال طريقة التفكير بشأن توطين الوظائف سواءً من قبل بعض المسؤولين أو من قبل بعض مسؤولي القطاع الخاص، والهدر الكبير في الاقتصاد نتيجة وجود عمالة أجنبية كبيرة على حساب بطالة كبيرة بين المواطنين. قضية الأراضي الكبيرة غير المستغلة تمثل هي الأخرى استنزافاً كبيراً للاقتصاد, ما يتطلب التعامل معها من هذا المنطلق. مسألة الاستثمار غير المنظم لكثير من القطاعات, خصوصاً في قطاع التجزئة يمثل هدراً كبيراً للاقتصاد، حيث يمكن توجيه موارده إلى قطاعات أخرى تحقق التوظف للكثير من الشباب، كما تحقق قيمة مضا فة كبيرة للاقتصاد. هناك العديد من الأمثلة التي لا يتسع المجال لذكرها بما يمثل هدراً يحد من بلوغ معدل النمو الاقتصادي للمملكة المعدلات التي تتناسب مع الموارد المتاحة في الاقتصاد. نقلا عن الاقتصادية السعودية