ودعت جدة أجمل ربيع شهدته منذ أعوام بعد أن اكتست الصحاري المحيطة بالمدينة باللون الأخضر خلال الأشهر القليلة الماضية، في أعقاب الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة أخيرا، قبل دخول موسم القيظ والجفاف. وساهم جمال الطبيعة في تغيير وجهة التنزه من البحر إلى النزهات الخلوية في الصحراء المحيطة بالمدينة على غير ماجرت به العادة. وتحولت معظم الواحات والوديان والكثبان الرملية النقية الواقعة في شمال وشرق وجنوب المدينة إلى مزارات دائمة للأهالي والقادمين إليها من بعض المناطق المجاورة، وجاء بعضهم خصيصا للاستمتاع بأجواء وطبيعة الصحراء الساحلية. وساهم اعتدال الأجواء، خلال تلك الفترة، ووجود تضاريس بكر تتباين معطياتها بين الهضاب والجبال التي تغطت بالكامل بالخضرة في دفع المتنزهين إلى ممارسة رياضة المشي والاستمتاع ليلا بمشاهدة الأنجم التي تزين السماء، وتعيد للمرء جزءا من الحياة البسيطة الخالية من التعقيدات. ودخلت وكالات السفر والسياحة وبعض الفنادق الشهيرة على الخط، حين لاحظت نسبة الإقبال على المناطق الصحراوية عالية مقارنة بالسياحة البحرية، فأطلقت رحلات صحراوية لأماكن منتقاة تقع بين مكةوجدة واستطاعت بالخدمات والتسهيلات والإمكانات المتوفرة تحويل مخيماتها إلى منتجعات سياحية من فئة النجوم الخمسة. ويؤكد محمد كمال مدير أحد الفنادق في جدة، أن المنطقة الصحراوية بين مكةالمكرمةوجدة جذبت أنظار الكثير من نزلاء الفندق أثناء رحلاتهم للعمرة، وعليه نظمت وللمرة الأولى رحلات إلى هذه المنطقة ونصبت مخيمات متكاملة مجهزة بدورات مياه، وأتيح المجال للمتنزهين ممارسة الرياضات المختلفة كرياضة التطعيس بسيارات الدفع الرباعي والدبابات الصحراوية والتزلج على جبال الرمال، علاوة على القيام برحلات برية لمشاهدة وتعقب النجوم والكواكب والاستمتاع بمنظر ضوء القمر، ولم يستبعد الكمال إدخال هواية الصيد في البر بالكلاب والصقور خلال الفترة المقبلة. وفي المقابل، يقول عدد من المتنزهين الذين نصبوا خيامهم على امتداد الطريق بين مكةوجدة: إن ما دفعهم إلى ذلك هو الاستمتاع بجمال وهدوء الصحراء ومحاولة للهرب من ضيق الأفق داخل المدن ومشاهدة اتساع المدى وسط الأجواء الربيعية ومناظر الهضاب والأودية التي يزينها ليلا تسلل ضوء القمر ومنظر السماء الصافية والمرصعة بالنجوم، مؤكدين أن حبهم للنزهات البرية أوجد عندهم مزاجا صعبا لا يمكن تعديله إلا بمشاهدة نار الحطب ومذاق شاي وقهوة الجمر.