تسن العقوبات على مستوى العالم بعد أن تشرع الأنظمة، ولا يشرع أي نظام إلا بعد توعية كافية لكافة شرائح المجتمع، حتى على مستوى التشريع الرباني العظيم لا تسن عقوبة إلا بعد أن يعي الإنسان مقاصد أنظمتها وأبعاد منافعها ومضارها. فعلى سبيل المثال، توصي التربية النبوية الكريمة في شأن الصلاة بالأمر أولا (مروا أولادكم بالصلاة لسبع..)، وهذا يشمل التوعية والإفهام بماهية الصلاة، وأهميتها والحكمة من مشروعيتها، ثم تأتي العقوبة المترتبة على المخالفة بعد الإدراك (واضربوهم عليها لعشر)، توعية ومهلة أدبية لمدة ثلاث سنوات! أما في معظم أنظمتنا المستحدثة، فالضرب يأتي قبل التعليم، والعقاب قبل المعرفة، لذلك لا تجد هذه الأنظمة قبولا لدى الشارع، بل تجابه أحيانا بردات أفعال قد تصل إلى المواجهة واختراق هذه الأنظمة بشكل انتقامي، أو الالتفاف حولها لتجنب العقوبات المترتبة على عدم الالتزام بتطبيق لوائحها المرتجلة! وخذوا أمثلة كثيرة، منها: (ربط حزام الأمان) ، (رمي النفايات من نافذة السيارة) ، ونظام (ساهر) المروري، كل هذه المخالفات التي نتفق جميعا على أن اقترافها يدل على أننا شعوب لا تحترم النظام، ولكنها لن تفعل بشكل حضاري إلا بالوعي الجمعي. ما لفت نظري هو تصريح مدير مرور منطقة المدينةالمنورة الخميس الماضي، عندما قال: لقد حقق نظام ساهر في خمسة شهور من التوعية المرورية ما ظلت إدارات المرور تنفذه طوال 25 عاما! وهو بهكذا تصريح يوحي بشكل أو بآخر بأننا لا نتأدب ولا نتعلم إلا (بالعين الحمرا)، ولكنه في نفس الوقت يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن كل أسابيع المرور التي كانت تمر مرور الكلام على امتداد هذه العقود لم تجد نفعا، ولم يكن لإدارات المرور أي دور في توعية المجتمع طوال ربع قرن من الزمن. نحن مع النظام الذي يطبق على الجميع دون تفرقة، ولكن التسلسل في سن الأنظمة وتشريعها هو الحل الأمثل للتطبيق وللتفعيل، أما أن يطرح بهذه الطريقة المستفزة والمستنزفة لجيوب المواطنين دون توعية أو مقدمات أو تحذيرات، فهذا ما يرفضه المجتمع، وهو أيضا ما رفضه بعض أعضاء مجلس الشورى، الذين تفاجأوا بصدور هذا القرار وتطبيقه دون أن يمر على طاولاتهم، أو من خلال القنوات التشريعية المتعارف عليها على أقل تقدير.. ويكفي.