في عطلة الربيع الماضية اصطحبت عائلتي إلى دبي، وهناك تجولنا على المعالم السياحية التي يؤمها السياح، من برج خليفة ونافورته الراقصة، إلى أسواق (ومولات) دبي الشهيرة، إلى حديقة الخور والخور، مرورا بأبراجها الشاهقة، وقد أعجبتنا دبي بنهضتها العمرانية المذهلة، وبجودة تنفيذ مشاريعها المتقنة، وحسبي من ذلك جودة تعبيد شوارعها، التي نُفذت لتُشعر سالكها بالراحة وهو يسير عليها وليس العكس، أحد المنغصات بالنسبة لي كون الأرض في دبي لا تتكلم عربي، ولكن لأطفالي رأي آخر، سكني هناك كان بأحد الأبراج المُطلة على شارع الشيخ زايد، واعتدال الطقس بأجوائه الربيعية الحلوة جعلني استمتع بالجلوس في الشرفة ومترو دبي لا يبرح المرور من تحت قدمي، من وجهة نظر شخصية لم أر ما يستحق الزيارة ويثير البهجة في نفسي غير الجلوس على حديقة الخور، وعلى الخور في الشندغة، هنالك حيث يبدو الخور كقطعة من نهر النيل، ولكن حذار فأنا أتحدث عن القعود شتاء أو ربيعا، وما عدا ذلك فعلى مسؤولية من يقرر الجلوس في غير ذينك الفصلين، ونحن نغادر الطائف سألت صغاري: أي المدينتين أجمل، وفي أيها استمتعم أكثر الطائف أم دبي ؟ وقد جاءت إجابتهم سريعة باتفاق لتؤكد على عامل الحسم فيما سيتفوهون به وهم يقولون: الطائف أحلى ! الطائف أحلى قالوها رغم أن السكن في دبي أفخم من الطائف، ورغم أن فيه مسبح، وقاعة ألعاب رياضية، وترفيه لم يرو مثلها في الطائف، ولكنهم وجدوا في الطائف هواء عليلا، وأنساما عذبة لا يمكن أن يروها في دبي التي زاروها في فصل الربيع، فكيف لو زاروها صيفا، وجدوا في الطائف طبيعة أنبتها ماء المزن العذب، لا تلك الزروع التي أنبتتها مياه الصرف المعالجة، وجدوا في الطائف ناطحات السحاب الحقيقية، حيث جبالها الشواهق بهيبة وجمال تعانقان سحب السماء، وهي التي لا يمكن أن تُقارن بأي حال من الأحوال بتلك الدمامل الإسمنتية، وجدوا في الطائف تلفريك الهدا ذاك الذي يهبط من قمم جبال الهدا في الطائف إلى قرية الكر على أطراف مكة، عبر أربعة أكيال ومئتي متر هبطناها بالتلفريك الذي لا يمكن لهم أن يركبوا مثله أو يجدوا نظيرا له في دبي، فإذا ما تذكروا تلفريك حديقة الخور في دبي فإنما يتذكرونه كما يتذكر الطفل لعبة صغيرة تلهى بها زمنا ثم نبذها لما رأى ما هو أكبر وأجمل منها، أما النزول عبر طريق الهدا ذاك الذي تُرى السيارات في أسفله كما لو كنت تنظر إليها من كوة طائرة، فجمال لا وجود له إلا حيث هو وليس في أي مكان آخر، ويبقى قرب الطائف من مكة ميزة لا تعدلها ميزة، وفي الطائف أيضا وجدوا : الرمان الطائفي، والعنب الطائفي، والتوت، والتين الشوكي الطائفي (البرشومي) الذي أنستهم حلاوته كل أنواع الكعك، والشوكلاتات، والمُثلجات، والحلويات التي ذاقوها في دبي، ولأني لست ممن تخدعه الشمس بطول ظله، لم أُذهل بثلاجة دبي الكبيرة التي زعموها جبلا جليديا يتلهون بالتزلج عليه ! خمس وردات فُل طبيعية أشم عبيرها أحب إلي من طاقة زهور صناعية لا روح ولا حياة ولا شذى فيها، وكذلك رأيت ثلاجة دبي الكبيرة، في أول أيام الشهر الكريم وآخر أيام الرحلة سقطت الأمطار المهولة التي حدثتكم عنها آنفا، فسالت أودية الشفا متدفقة كما الأنهار، وانهمرت مياه الأمطار من أعالي الجبال كما الشلالات، ولأجل هذا وذاك لما حضرت طبيعة الطائف بطلت صنعة دبي