بعد 16 عاماً من إنشاء هيئة السياحة، لا تزال تلك الهيئة التي يتكون مجلس إدارتها من 20 شخصية لا تقل عن وكيل وزارة، عديمة الفائدة على أرض الواقع. فالمتتبع لنشاطاتها ميدانياً لا يرى أي أثر حقيقي في إحداثها التغيير الإيجابي الموازي لتلك السنوات العجاف، الذي يجعل مناطق المملكة الغنية بموروثاتها التاريخية وتنوع طقسها أن تصبح مزاراً أولياً للمواطنين ناهيك عن سواهم، وتجعل إنسان هذه الأرض متفتحاً لتنوع الثقافات ومفهوم السياحة. إن هيئة السياحة والآثار كما يقول مسؤولوها، أنشئت بهدف اعتماد السياحة قطاعاً إنتاجياً رئيسياً في الدولة، خاصة فيما يتعلق بجذب المواطن السعودي للسياحة الداخلية، وزيادة فرص الاستثمار وتنمية الإمكانات البشرية الوطنية وتطويرها وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطن، وأن ذلك واقع وطني تقف خلفه الدولة، ويستلزم قيام الجهات المسؤولة بالتخطيط لتطويره وتنميته، انطلاقاً من عديد من المقومات السياحية المتميزة التي تتمتع بها المملكة، أخفقت في أن تكون لها اليد الطولى في تنظيم فعاليات الصيف التي «تغص» بها حناجر مدننا دون أي تخطيط أو جدوى حقيقية، فشلت في تسهيل وإقناع الجهات الأخرى بأهمية منح التأشيرات السياحية دون عقبات أو تعجيز، لم تبادر في إيجاد منابع جديدة للترفيه العائلي وتنويعه كفتح دور السينما والمسرح، بل إنها لم تحافظ على ما اؤتمنت عليه من آثار بسبب «قلة» من محدودي التفكير لاعتراضهم على ترميمها بسبب حجج دينية لا أساس لها إلا في عقولهم فقط، ولم تدافع عن تلك الآثار التي تعرضت للهدم والدمار، بل إنها أيضا لم تمنع إمارات بعض المناطق من إلغاء ما تشاء من فعاليات ضمن مهرجانات الجذب السياحي في الصيف وهو ما يعد من مهامها، ولم تطالب بجدية في إدراج منهج تعليمي عن الثقافة السياحية في مدارسنا أو جامعاتنا وكلياتنا، ولا يوجد لها أي دور رئيس في السياحة الدينية. هيئة السياحة بوجوهها الحالية لم تصنع شيئاً، فهي منشغلة حالياً بتحصيل المخالفات والرسوم من دور الإيواء والفنادق، ودك لوحاتها التي تحمل اسمها على أرضيات المناطق التاريخية، فعلى الرغم من تصريح رئيسها الأخير بأن السوق السياحية السعودية شهدت 33 مليون رحلة سياحة داخلية، وأكثر من 18.6 مليون رحلة سياحية مغادرة، وأكثر من 14.3 مليون رحلة قادمة، لم يوضح أن جل هذه الرحلات كانت بسبب العمرة والحج!! وليس بسبب السياحة المبنية على جهود «الهيئة» التي لم تحقق سوى 27% سعودة في وظائفها. لقد فقدت «الهيئة» السيطرة على هدفها الرئيس الذي أنشئت من أجله، وهو الاهتمام بالقطاع السياحي بجميع جوانبه، وذلك بتنظيمه وتنميته وترويجه وتعزيز دوره وتذليل عوائق نموه، هذا بالإضافة إلى الاهتمام بالآثار والمحافظة عليها وتفعيل مساهمتها في التنمية الثقافية والاقتصادية، وتناسى مسؤولوها أن المملكة تتمتع بكنوز أثرية هائلة ومواقع تاريخية تنتمي إلى عصور وحضارات ما قبل التاريخ وبعده، وموقع جغرافي متميز بمساحته الشاسعة، وتضاريسه ومناخه ومناظره، والشواطئ الممتدة على البحر الأحمر، والخليج العربي، وما بينهما من تنوع واختلاف يجذب السائحين وتراث ثقافي وعادات وتقاليد من الصعب أن تجدها في حيز واحد. إننا نريد هيئة قوية، تكون رافداً حقيقياً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في بلدنا وداعما لنا في صناعة الإنسان وظهراً نسند عليه ظهورنا عندما يبدأ نفطنا في النضوب أو تهب هبوب الأزمات المالية والنفطية، وبحاجة إلى هيئة تعي دورها وإمكانات وطنها الذي يضم بين جناحيه مختلف أنواع الجذب السياحي سواء الديني أو التاريخي والطبيعي. نريد مسؤولين وأصحاب قرار يفكرون خارج «الصندوق»، مبدعين وأقوياء في اتخاذ القرار، يعون أن السياحة باتت مصدراً اقتصادياً مهماً للدول ورخائها، مسؤولين يحولون إرثنا التاريخي والحضاري إلى حقيقة معلنة لدى الآخر الذي لا يعلم عنا سوى خيمة وجمل وصحراء ورجل متعدد الزوجات، مسؤولين لديهم القدرة في تحويل الأحداث التي كان لها أثر في تغيير وجه الإنسانية والمعارك الإسلامية وتراث ذلك الدين إلى مشاهد حقيقية تشرح للزوار في مواقعها الحقيقية، لتكون مزاراً للسياح والجولات السياحية.