لجأ الإخوانُ المسلمون الهاربون من مصرَ خشيةَ إعدامهم أو اعتقالهم بالانكشاف الأول لأهدافهم ومخطَّطاتهم فيها إلى بلادنا فاستضافتهم أفراداً لا تنظيماً متيحةً لهم العملَ فيها في التعليم الجامعيِّ والتعليم العام والإعلام، وكان لأولئك تأثيرٌ في التعاقد مع آخرين من جماعتهم للعمل في هذه الميادين التي تغلغلوا فيها فأمسكوا بمفاصلها، ومن خلالها بثُّوا فكرَهم الإخوانيَّ السياسيَّ والاجتماعيَّ فجنَّدوا السعوديِّين في هذه الميادين وفي غيرها ممَّا لا يُتاح لهم العملُ فيها ليتبنَّوا أفكارهم وتوجُّهات تنظيمهم وينشروها، والذين منهم عملوا في التعليم الجامعيِّ في كليَّات اللغة العربيَّة، والآداب، والمعلِّمين، وفي كليَّات أخرى فيها مقرَّرات للغة العربيَّة وآدابها، أو عملوا في التعليم العام معلِّمين للغة العربيَّة وآدابها أو مفتشين آنذاك مع من جنَّدوهم من السعوديِّين فكان لأولئك وأولئك تأثيرٌ واسع في صياغة مقرَّرات اللغة العربيَّة وآدابها، فضمَّنوها نصوصاً وموضوعات تبثُّ أفكارهم وتوجُّهاتهم، وقصروا دراسة الأدب فيها على ما سمَّوه بالأدب الإسلاميِّ والذي لا يعدو كونَه شعراً جهاديّاً وتحريضيّاً أو صاهراً للوطن في كيان الأمَّة أو نظماً إخوانيّاً في المبادئ والقيم الإسلاميَّة ليس إلا، مقصين الأدبَ السعوديَّ وبخاصَّة منه الشعر في أغراضه القوميَّة والوطنيَّة والرومانسيَّة والمسرحيَّة، ومهمِّشين الأدباء السعوديِّين وبخاصَّة شعراء الحداثة ونقَّادها ودارسيها، فضُمِّنتْ مقرَّرات المحفوظات والنصوصِ في التعليم العام بأناشيد جهاديَّة إخوانيَّة وقصصاً عن كراماتهم الجهاديَّة، بل وحفزوا كتَّابهم وشعراءهم ونقَّادهم لينشروا أفكارهم وتوجُّهاتهم في مقالاتهم وأشعارهم في صحفنا ومجلاَّتنا، وفي الدوريَّات الجامعيَّة والمطويَّات التعليميَّة وهيمنوا على النشاط الطلاَّبي في التعليم العام والجامعي، فالتعليم والأدب كما قالت صغيرتي عروب: «أيسر طريقة للوصول لأفكار الناس ومشاعرهم وتكوينها وتلوينها». وكان للإخوان المسلمين العاملين في جامعاتنا في ميدان اللغة العربيَّة وآدابها تأثيرٌ على توجيه طلابِّها لموضوعات أبحاثهم لخدمة الفكر الإخواني وتوجُّهات جماعتهم، وتأثير على اختيار المعيدين ممَّن جنَّدوهم لتبنِّي فكرهم وخدمة توجُّههم وتنظيمهم أثناء دراستهم الجامعيَّة، وبالتالي وجَّهوهم في الدراسات العليا للماجستير والدكتوراة في ضوء توجُّهاتهم الإخوانيَّة ليعدُّوهم لمواصلة الدور لخدمة التنظيم، بل وشجَّعوا ابتعاثهم إلى جامعات مصر لنيل الماجستير والدكتوراة بإشراف أساتذتها الإخوانيِّين، فهناك التقوا بقيادات التنظيم وتلقَّوا تعليماتهم وتوجُّهاتهم مباشرة وإيحاءات لهم بأدوارهم القادمة في بلادهم، في حين يقصى من قبل أولئك الإخوان وأولئك المتأخونين الشعراءُ ودارسو الآداب من الوطنيِّين السعوديِّين، علماً أنَّ المبادئ والقيم العربيَّة والإسلاميَّة كانت قبل المدِّ الإخواني والمتأخون وما زالت ممَّا يحتفي به أدباؤنا شعراً وقصَّة ورواية ونقداً ودراسات أدبيَّة إلى جانب احتفائهم بالقوميَّة العربيَّة وبالهويَّة الوطنيَّة وبالموروث الاجتماعي، وفي ضوء تأثرهم الإيجابي بالمدارس الأدبيَّة والنقديَّة المعاصرة. وحيثُ تصادف إنشاء أنديتنا الأدبيَّة عام 1395 ه مع بدايات ظهور السعوديِّين المؤدلجين بالفكر الإخواني بدراسة الأدب بجامعاتنا أو بجامعات مصر على أيدي الإخوان المسلمين فقد وجدوا في الأندية الأدبيَّة حواضن لأدبهم وفكرهم وتوجُّهاتهم الإخوانيَّة فكان لهم تأثير على أنشطتها وبرامجها وإصداراتها، فخلعوا من خلال ذلك ألقاباً كشاعر الجهاد وشاعر الصحوة على شعرائهم، يحتفون بمجموعاتهم الشعريَّة ويسوِّقونها ويشترونها على حساب التنظيم ويوزِّعونها مجاناً، ويتنادون لحضور أمسيَّاتهم ومحاضراتهم وندواتهم ليظهروا إقبالاً عليها يقارنونه بتدنِّي حضور تلك النشاطات لدى سواهم والتي عملوا على إفشالها بالتعاون مع إخوانهم باعتباره نهياً عن المنكر، وما حدث مراراً في نادي جدَّة الأدبي مثال على ذلك، ومواقفهم من الدكتور غازي القصيبي رحمه الله شاعراً وروائيّا ومع الدكتور تركي الحمد روائيّاً، ومع الدكتور عبدالله الغذَّامي ناقداً، ومواقفهم من ملتقى نادي القصيم الأدبيِّ الذي عُني برصد التحولات الثقافية في السعودية، فأدرج ضمن أوراقه ورقتين بحثيتين أثارتا جدلاً ونقاشاً ساخناً قبل الملتقى وبعده فألغيتا من برنامجه وقوطع الملتقى رسميّاً، أولاهما أعدَّها الأستاذ محمَّد القشعمي متناولة تحوُّلات المفكر عبدالله القصيمي، والثانية أعدَّها الأستاذ هاشم الجحدلي متناولة تحوُّلات الروائي عبدالرحمن منيف بصفتهما اسمين سعوديين ينتميان إلى منطقة القصيم نماذج لإرجافاتهم الأدبيَّة. هذا ممَّا يحدثُ في الأندية الأدبيَّة في ملتقياتها وبرامجها وأنشطتها المنبريَّة فينكشف إعلاميّاً، فكيف بما يلغى قبل حدوثه وتكوينه للمشهد الأدبيِّ؟!، أو بما يعاق أساساً فلا يفكَّر فيه فيدرج فيها، وقس على ذلك إصدارات الأندية الأدبيَّة ومنشورات دوريَّاتها المتيحة للأدباء المتأخونين مجالاً للنشر وللانتشار، فيرشَّحون للمشاركة في معارض الكتب والملتقيات والمؤتمرات الأدبيَّة الداخليَّة والخارجيَّة، فيما يهمَّش غيرهم فلا تنشر الأنديةُ الأدبيَّة إبداعاتهم، فهي لا تسعى إليهم وحينما يسعون إليها يُصدَّون ابتداءً، أو يمثِّلون عليهم بمسرحيَّة تحكيميَّة أبطالها ذوو توجُّهٍ أدبيٍّ إخواني، وقد مررت بمثل ذلك حينما تقدَّمت لنادي القصيم الأدبي بمجموعتي الشعريَّة الثالثة «أناشيد رامة» المتضمِّنة شعري في أدب الطفولة، ولكنَّها وجدت من النادي صدوداً واعتذاراً عن نشرها بتأثير المتأخونين. ولتكتمل هيمنتهم على الأندية الأدبيَّة بإقصاء غيرهم يفتعلون المشكلات والقضايا مع الإدارة العامَّة للأندية الأدبيَّة في وزارة الثقافة والإعلام، وقضايا الأندية الأدبيَّة في جازان، أبها، الجوف، المنطقة الشرقيَّة ممَّا حرِّكت بتأثير ذلك ولأهداف أولئك، فهم يكتبون ويستكتبون المقالات الإخوانيَّة لخدمة توجُّههم الأدبيِّ بأمل وقوف الوزارة معهم، أو لإرهاب مسؤوليها بنقدهم وخصوماتهم، ولا يشكُّ في أنَّ إعاقة افتتاح نادٍ أدبيٍّ في محافظة عنيزة المتميِّزة أدبيّاً على مستوى الوطن جاءت بتأثير أولئك، وخاصَّة أنَّهم يعلمون بمكانتها في الأدب إبداعاً واتِّساعاً وأشاروا إليها في بعض مؤلَّفاتهم قبل تغلغل الفكر الإخواني في ميدان الأدب، وهم يعلمون بتجرِبتها الرائدة والسابقة لنشأة الأندية الأدبيَّة إذْ أنشأ أدباؤها عام 1372 ه نادي عنيزة الثقافي السابق الأندية الأدبيَّة نشأة بما يقارب ربع قرن، وما زال أدباء محافظة عنيزة ينتظرون موافقة الوزارة على إنشاء ناديها الأدبيِّ، فآخر محاولاتها كان خطاب محافظها لمعالي وزير الثقافة والإعلام مطلع هذا العام الهجريِّ، فلعلَّ انكشاف المتأخونين السعوديِّين فكراً وأدباً المتزامن مع خطاب أدبائها على لسان محافظها يزيح هذه الإعاقة ويفسح مجالاً لها ولهم لخدمة الوطن وآدابه.