كتب أحد الإسلاميين: إبراهيم التركي تغريدة في تويتر يطالب فيها أن يكون رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان خليفة للمسلمين في هذا العصر على اعتبار أن مواقف أردوغان تنم عن اهتمامه بالجوانب الإسلامية، وتحديدا بعد موقفه في أحداث مصر في رابعة العدوية، وإسقاط الإخوان في الانقلاب المعروف تنص على ما يلي: «يلومون أردوغان ويهددونه على نصرته للمظلومين في مصر وحقه أن يعين خليفة في المنصب الشاغر منذ 93 عاما فهو أهل أن يعيد للأمة عزها»، ويحاول التركي توضيح تغريدته السابقة بتغريدة أخرى فيقول: «كانت الخلافة نظاما فيدراليا ويمكن تحقيقها مع بقاء خصوصيات الدول وتوحيد سياساتها الكبرى ويرشح أردوغان خليفة لخمس سنوات». حديث التركي عن أحقية أردوغان بالخلافة تنم عن إشكالية في فهم السياقات التاريخية والسياسية فلا مفهوم الخلافة يمكن له أن يتحقق في ظل مفهوم الدولة الحديثة، فالدولة التاريخية/ التقليدية التي كان مفهوم الخلافة يتسق معها لم يعد لها وجود على أرض الواقع، تماما كما هو الحال في دولة الخلافة التي لم تعد كذلك: (تركيا) التي أوحى المغرد التركي بأحقية أردوغان في أن يكون خليفة فيها على عموم المسلمين فهي نظام ديموقراطي ينتهج الرؤية الغربية في سياق مفهومه للدولة التركية الحديثة. تركيا لم تعد بلد الخلافة العثمانية مهما قيل عن عثمنة الدولة التركية، أو رغبة الأحزاب الإسلامية في عودة التاريخ العثماني من جديد وهو تصور مهما قيل عنه إلا أنه مبالغ كثيراً فيه بحكم أن المجتمع والدولة التركية الحديثة دولة ابتعدت عن الدولة التاريخية كثيرا، لا على مستوى نظام الحكم العلماني/الديموقراطي، ولا على مستوى الفكر الاجتماعي الذي اتسق كثيرا مع مفهوم الدولة الحديثة، ولا حتى الأحزاب الإسلامية التي قبل المجتمع التركي وجودها في ظل قبولها بإدارة البلاد تحت حكم علماني يفصل الدين عن الدولة. وهو نظام بالتأكيد ليس نظام الخلافة التي تجمع بين الدين والدولة في طول تاريخها السياسي. كما أن التغريدتين المذكورتين عن التركي في أول المقال تنم عن قصور في فهم العلاقات السياسية والدولية فدولة مثل تركيا لها علاقاتها الكثيرة في الشرق والغرب بما فيها إسرائيل نفسها، التي لا تتناسب مع دولة الخلافة التي يطمح التركي إلى أن ينصب أردوغان خليفة لها، حتى وإن ادعى أن الخلافة التاريخية كانت نظاماً فيدرالياً يحقق لكل الدول الإسلامية خصوصياتها وهذا كلام خالٍ من الصحة حيث المركزية في نظام الخلافة قديماً، والدليل هو اقتصاد الخراج الإسلامي الذي كان دائما ما يعود إلى مركز الخلافة، ومقولة هارون الرشيد للسحابة: (اذهبي حيث شئت سيأتيني خراجك) خير دليل على مركزية دولة الخلافة في عصور الإسلام جميعها وهو ما لا يتناسب مع أنظمة الدول الحديثة ذات العلاقات السياسية التي تتجاوز علاقات الخليفة بأعدائه في العصور الإسلامية التقليدية. وأيا يكن الأمر في مسألة التغريدتين إلا أنهما تدلان عن أزمة في فهم العصر والسياسة في معظم تفكير الإسلاميين الذين لم يتجاوزوا مفهوم الخلافة الإسلامية حتى الآن رغم تغير معطيات العصر، حتى لدى بعض من يطالب بالطرق الديموقراطية لإدارة البلاد الإسلامية والعربية، يتضح ذلك من إشكالية ثنائية الأمة والشريعة ومدى أسبقية إحداهما على الأولى، فإذا كان الحديث عن سيادة الشعب أو الأمة هو حديث في الرؤية الديموقراطية إلى حد ما، فإن الحديث عن تطبيق الشريعة يفترض وجود دولة إسلامية تختلف عن الدولة الديموقراطية ذات السيادة الشعبية الدستورية التي كثيرا ما خالفت بعض التصورات الدينية لدى كثيرين بما فيها أحقية سياسة الشعب لنفسه والحريات الدينية والشخصية والتعبيرية التي كان نظام الخلافة يطبقها على غير المسلمين ويحاكم المسلمين عليها بفرض تصور ديني خاص. علاقة الدولة الإسلامية بالدولة الديموقراطية هي علاقة تحتاج إلى إعادة رؤية في نظام الخلافة قبل أي شيء آخر إن كان العرب أو المسلمون يريدون تطبيق العمل الديموقراطي الذي يرجع أصوله إلى الدولة العلمانية في العصر الحديث فهل يصبح أردوغان خليفة مسلما بمواصفات علمانية؟ يبدو أن هذه توليفة جديدة خرج بها التركي لكي تتحقق بعض أحلامه في نظام انتهى ولم يعد له وجود حتى لدى الذين يطمح لهم بأن يكونوا خليفة على الأمة الإسلامية.