والابتسامة مرسومة على ثغره، قال المسؤول الأول في وزارة الزراعة إن المملكة لم تحقق أي اكتفاء ذاتي، لا في الدواجن ولا في الخضراوات، وأن ما تم تحقيقه فقط هو الاكتفاء الذاتي من البيض. وكشف أن السعودية تنتج 42% من استهلاكها من الدواجن، و85% من استهلاكها من الخضراوات، لتستورد النسب المتبقية. هذا التصريح يجعلنا في حيرة من أمرنا عن ميزانية الوزارة التي تقترب من العشرين مليار ريال وعن خططها الاستراتيجية وعن دورها الماضي والحالي والمستقبلي، وعما يفعله ذلك المسؤول منذ توليه أمانة العمل، وعما يعمله موظفو تلك الوزارة أثناء يومهم الوظيفي! قلت ولا أزال أكرر من هذا المنبر الإعلامي الذي سمح لنا بأن نكون صوتاً للوطن، من حقنا أن نطالب مسؤول الزراعة الحالي بعد عشر سنوات من تعيينه بالكشف عن إنجازاته وما حققته وزارته التي أنشئت عام 1344 بعد كل تلك السنوات. ومن أبسط حقوقنا كمواطنين وكادحين معنيين بخدمات وزارته والمستفيدين منها أن نتساءل عن أسباب تعثر «الزراعة» في سياساتها، ووقوفها عاجزة عن تقديم أي حلول حول «موت» مزارعنا، وشح الثروة الحيوانية وارتفاع أسعار الأغنام والدجاج والمواشي والأعلاف، ومن حقنا أيضا على ذلك المسؤول أن نعرف خططه وما قدمه لتذليل الصعوبات التي تواجه المزارعين والصيادين والبيطريين وحتى العاملين تحت إدارته، وعن جهوده حول مشكلة نقص الأدوية واللقاحات. نعم، من حقنا أن نتساءل في براءة وغير براءة عن أسباب إخفاق وزارته في الحد من ارتفاع أسعار اللحوم البيضاء والحمراء وأن لا نكتفي برده «الساخر» عندما أحال سبب ذلك الارتفاع إلى تبذير المواطن!، ليس ذلك فحسب بل علينا أن نستوضح منه وهو المسؤول العاشر الذي تولى سدة الحكم والنهي والأمر في تلك الوزارة والأطول عمراً في إدارتها عن أسباب تسرب الكوادر الفنية من وزارته، وخروج عديد من التجار من السوق الزراعي والحيواني بسبب الشروط التعجيزية التي تشترطها «الزراعة» في عهده الميمون، وعن عدم وقوف وزارته التي أنشئت قبل ما يربو على 50 عاماً مع مصدري التمور لحل مشكلة التصدير وسن أنظمة وقوانين لحماية المزارع السعودي والمنتجات الزراعية والحيوانية الوطنية مقابل المحاصيل الأجنبية. من حقنا على -معاليه- أن نتساءل عن أسباب تغييب وزارته مشروع الجمعيات التعاونية الزراعية وعدم إيجاد الحلول لمشكلة منسوب المياه في بعض المناطق الزراعية، وعدم الجدية في القضاء على الآفات وفي مقدمتها السوسة الحمراء، إضافة إلى عدم المساهمة الجادة في دعم قطاع الثروة السمكية، وتطوير برامج التوعية والإرشاد للمستفيدين من خدمات وزارته. قد يكون تخصص الوزير الحالي «هندسة مدنية» شكلّ عائقاً في تفهم دور الزراعة في حياة الإنسان والدول -أقول ربما- ولكن بعد تلك السنوات التي قضاها بين ملفات وهموم العمل الزراعي فلا عذر له في النهوض بالقطاع الزراعي خاصة وأن الوزارة بلا شك يقطنها المتخصصون والاستشاريون وأصحاب الخبرة في ذلك المجال. إن وجود وزارة تُصرف لها هذه الميزانية المليارية ولا نرى أثراً ميدانياً حقيقياً لها غير «البيض» بالرغم من أن عديداً من قرانا خاصة في الجنوب والحجاز والشرقية كانت تعتمد على الزراعة في أكلها ودخلها واكتفائها الذاتي قبل أعوام مضت وقبل أن يهجر المزارعون مزارعهم بسبب عدم التوعية والدعم وإيجاد آليات للتوطين الزراعي من قبل الجهة المختصة رغم سخاء الدولة على ذلك القطاع، يحتاج إلى إعادة نظر سواء بإلغاء تلك الوزارة والاكتفاء بإنشاء هيئة أو لجنة عليا مستقلة تقوم بالمهام الحالية، فما تقدمه هذه الوزارة الحالية لا يرقى إلى المهام والإنجازات التي تستحق بها أن تنال شرف المسمى الحالي. سنستمر كما تعلمنا في بلاط «الشرق»، وضمن مساحة الرأي التي أنعم الله بها علينا التي أصبحت أثراً يقتفى لبقية وسائل الإعلام، نعيد ما نقوله ونكتبه ولن نخجل من التكرار وبحة الصوت فلعل في ذلك التكرار تعليماً للشطار، فجميع من تولوا أمر وزاراتنا لم يوضعوا إلا لخدمة إنسان هذه الأرض، فهم موظفون ومن حقنا عليهم حتى قيام مؤسسات المجتمع المدني محاسبتهم دون إفراط أو تفريط بعيداً عن «شخصنة» الموقف وتأويله.