الجزائريون ثاروا على رئيس وزرائهم عبدالمالك سلال وأوسعوه نقداً على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأنه قال إن المجتمع الذي يتطلع إلى غد أفضل عليه الاهتمام بتكوين أجيال في العلوم والتكنولوجيا والرياضيات، أما الشعر فلا يبني دولاً، ودعا إلى الابتعاد كذلك عن التاريخ والجغرافيا، فوصفوه بأنه متشبع بالثقافة الفرنسية وكأنها تهمة!! حتى لو كان متشبعاً بالثقافة الفرنسية فهذا لا يُلغي أن ما قاله صحيح 100%، وهو ينطبق على كل بلد عربي وليس على الجزائر فقط؛ فالمتنبي والبديع والجناس وخمريات أبي نواس، وليلى ولبنى وعزة تفيض عن الحاجة في كل مدارس العرب، وأقول تفيض عن الحاجة ولا أدعو إلى إلغائها من التعليم بل إلى ترشيدها لصالح المختبر والمصنع. موريتانيا تلقب ببلد المليون شاعر، وهي لا تحتاج لكل هذا الترف الشعري؛ تخيلوا لو كان فيها ربع هذا العدد من علماء الرياضيات والعلوم مثلاً؟ ودول الخليج مليئة بالمغنين والشعراء الشعبيين والوعاظ والرقاة والمحاضرات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وهؤلاء هم المشاهير والقدوات الذين يشكلون ذائقة الأجيال ويؤثرون في توجهاتهم واختياراتهم. لكن ماذا لو كان المختبر والمصنع هما الحلم للطلاب والطالبات العرب؟ ماذا لو كان القدوة هو المخترع وعالم الرياضيات والعلوم؟ بالتأكيد ستختلف الصورة، وستخف وطأة الرقاة ومشاهير الاستهلاك والمعلبات وأحمر الشفاه الذين يتناسلون كالنمل! برأيي أن الأخطر من كل ما ورد أعلاه هو الركون إلى التاريخ وكأنه صك تميز؛ مع أن هذا نوع من التناحة المستديمة التي تجعلك هائماً بالماضي، وتعيش في غير الملكوت متخيلاً أنك الأفضل فقط لأن أجدادك -رحمهم الله- كانوا عظماء؛ نعم لقد كانوا عظماء لأنفسهم وعصرهم، ولن تجدينا عظمتهم ما لم نفعل شيئاً لأنفسنا؛ هذا عصر العلم لا عصر الشعر والشعوذة!!