2- الجناس غير التام: هو ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الامور الاربعة التي ذكرناها في الجناس التام، وهي انواع الحروف، واعدادها، وهيئتها من حيث السكنات والحركات، وترتيبها وهذا النوع من الجناس متشعّب، وليس غايتنا من هذا العمل استقصاء كل ما جاء في هذا الشأن، بل غايتنا الوقوف عندما نراه يتلاءم مع الجمال الفني الادبي المرتبط بموضوع الصورة الشعرية، لهذا سنقف على عدد من الجناسات غير التامة حتى لا يتحول الموضوع الى بحث بلاغي صرف، والمعروف ان البلاغة جامدة وتميل الى التقريرية العلمية الصارمة، وهذا الامر لا يتناسب مع الصورة الشعرية، ويقلل من حضورها الذي نعمل على ابرازه هنا. من أنواع الجناس غير التام: أ - الجناس المضارع.. هو ذلك الجناس الذي وقع فيه خلاف في نوع الحروف وليس بين الحرفين تنافر في المخرج وشاهد هذا النوع قول سطام الشامان: غرق والا ارق والا دموع الديم عسى بعض الليالي بالخبر تأتي فكلمة " غرق " وكلمة" ارق " وقع بينهما خلاف في الحرف الاول، غير ان كلا الحرفين متقاربان في المخرج الصوتي. ب - الجناس اللاحق: هو الجناس الذي وقع فيه خلاف في نوع الحروف إذ كان الحرفان فيه متباعدين في المخرج، وشاهد هذا النوع من الجناس قول بندر الشدادي: ما ني منعّس هالسهر في وصالك والبال غصنٍ قيّلت فيه ورقا أغلبك لو ما اغلبك ما قلتها لك وأضمّك بصدري وأحولك وأرقا فمن يقرأ البيت السابق يجد ان البيت الاول ينتهي بكلمة "ورقا " وهي الحمامة الورقاء، بينما البيت الثاني ختم بالفعل "ارقى" حيث حصل تنافر في الحرفين الاولين اذ كان في الكلمة الاولى حرف الواو في " ورقا" وهو حرف شفهي بينما كانت الهمزة في الكلمة الثانية، وهي حرف حنجري او كما كان يقول العلماء السابقون حرف حلقي من جهة الصدر إلا أن وجود واو العطف التي قبلها خفّف من حضورها صوتيًّا. ج- الجناس الناقص: هذا الجناس حصل فيه اختلاف في عدد الحروف، وذلك لنقصان أحرف أحد اللفظين عن الآخر، والجناس الناقص يأتي على نوعين: النوع الاول: الجناس المُطرّف.. وهو الذي تكون فيه الزيادة بحرف واحد وشاهد هذا النوع قول خلفان بن يدعوه المهيري: حتى قضى الخلاق فينا بما قضى قضاه سبحانه بامره تام فهذا البيت الشعري جاءت فيه كلمتان، الاول "قضى" والثانية "قضاه" ولو تأملنا الكلمتين لرأينا ان الاولى فعل ماض وهي "قضى" بينما الكلمة الثانية اسم وهي "قضاه" أي ( قضاءه سبحانه وتعالى) وهذا النوع من الجناس يسمّى بالجناس المطرّف، وهو الواقع في آخر الكلمة عكس الجناس الحاصل في الامثلة السابقة الذي يأتي في اول الكلام او في وسطه. النوع الثاني: الجناس المُذيّل.. ما كانت فيه الزيادة واقعة في احد اللفظين بأكثر من حرف، وشاهد هذا النوع قول محمد المطروشي: اللي غوى المجني غواكم لي بدّل الحِسْنا حرامِ حيث حصلت هنا زيادة في حروف الكلمة الثانية التي جاءت في آخر البيت الذي امامنا، إذ كانت الكلمة الاولى تتكون من ثلاثة حروف، وهي الكلمة "غوى" بينما كانت الكلمة الثانية "غواكم"، وهذا النوع من الجناس يُسمّى بالجناس المذيّل، ويشترط في هذا النوع ان تكون الزيادة في آخر الكلمة. د - الجناس المطلق: هو توافق اللفظين في الحروف والترتيب دون أن يجمعهما اشتقاق وشاهد هذا النوع من الجناس قول الخالق في محكم التنزيل "قالت اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لرب العالمين" وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وعصيه عصت الله ورسوله" إذ ان الكلمات: " أسلمت – سليمان "، وكذلك " أسلم – سلمها، وكذلك غفار – غفر، وكذلك عصيه – عصت " ليست مشتقة من بعضها البعض حيث إن سليمان اسم أعجمي لا فعل له في العربية، بينما غفار وأسلم وعصيه أسماء لقبائل عربية، ولم تكن مشتقة هذه الاسماء من الافعال المصاحبه لها في الحديث النبوي الشريف. ه - جناس الاشتقاق: هذا الجناس متصل بالجناس المطلق، الا أنه قد حصل بين اللفظين المتجانسين اشتقاق في الفعل، إذ إن الاسم مرتبط بالفعل من حيث الاشتقاق، وشاهد هذا النوع قول خليفة بوشهاب: يا قايد الزين من حبّك تولّع بك وانا المولّع بحبك يا ضيا عيني فقد حصل اشتقاق بين الفعل "تولع" والاسم "المولع" إذ ان الاسم مشتق من الفعل في هذا البيت بالاضافة الى أن هذا البيت يشتمل ايضا على جناس آخر بين " حَبّك" و"حُبّك" لأن الكلمة الاولى فعل بينما الكلمة الثانية اسم اشتق من الفعل المذكور. لقد حرص الشعراء على الاتيان بالبديع في قصائدهم الشعرية من أجل تزيين هذه النصوص، لِمَا له من اثر في الجمال ويُعدّ الجناس من اهم هذه الانواع البديعية حيث تأنس النفس البشرية لوقع جرس الجناس واثره الايقاعي في الاسماع وعلى القلوب "لأن النفس تستحسن المكرر مع اختلاف معناه، ويأخذها نوع من الاستغراب" علمًا بأن هذا الباب وهو باب الجناس واسع لمن اراد الاطلاع عليه في كتب البلاغة، وقد فضلت الوقوف على أبرز ما فيه.