فعلاً إنه سؤال محير عكف عليه العلماء منذ قديم الزمن، فمتى بدأت الحياة؟ ومتى عاش أبونا آدم؟ بل وكم عمر الأرض؟ لقد تصدى لهذا السؤال العويص علماء شتى، منهم الإمام الطبري فهداه تصوره إلى رقم زاد على شرّاح العهد القديم قليلاً قال الرجل: في كتابه «تاريخ الأمم والملوك» «إن أولى القولين اللذين ذكرت في مبلغ قدر مدة جميع الزمان.. أنه جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، وإذا كان كذلك... كان معلوماً أن الماضي من الدنيا قدر ستة آلاف وخمسمائة سنة... فهذا الذي قلنا في قدر مدة أزمان الدنيا من مبدأ أولها إلى منتهى آخرها من أثبت ما قيل في ذلك عندنا من القول للشواهد الدالة التي بيناها على صحة ذلك». ولكن ماذا يقول العلم الحديث؟ يعتبر معمل جهاز «التانديترون» قرب باريس معهداً متميزاً في تقنية كشف الأعمار بواسطة تقنية الكربون 14، حيث يتم تعيين نسبة نظائر الفحم، بفصل الذرات عن بعضها البعض، فالوزن الذري للفحم هو 12، حيث يحوي المركز ستة بروتونات موجبة الشحنة، وستة نيترونات محايدة الشحنة، في حين إن نظائر الكربون يحمل مركزها نترونات أكثر، ومع الزمن تتحول طبيعة النترون إلى بروتون، فتنقلب طبيعة الكربون إلى نتروجين، وهذا التحول يحتاج في العادة إلى خمسة آلاف و730 سنة، كي تتحول نصف الكمية من نظير الكربون إلى نتروجين، وخمسة آلاف و730 سنة أخرى لنصف النصف أي الربع وهكذا. وبإحصاء كمية نظير الكربون في المادة والنتروجين ونسبة كل مادة إلى أخرى تعرف كمية التحول، فكلما كانت كمية نظير الكربون أكثر، كان معناه أن عمر المادة المذكورة أحدث وأصغر، وكلما كانت كمية النتروجين أعلى كان عمرها أكبر في الزمن، فإذا لم يتبقَّ في مادة الفحم شيء من نظير الكربون وتحوّلت كلها إلى نتروجين، كان عمر المادة 57 ألفاً و300 سنة بالتمام والكمال، فإذا وجدت مادة الفحم في أي مادة يبحث عنها الأركيولوجيون وقد استنفدت كل ذرات نظير الكربون وجب القفز واللجوء إلى ساعة كونية جبارة في تحول البوتاسيوم إلى آرغون، وتعطي عمراً يمتد ليس عشرات الآلاف من السنوات بل مليارات السنوات. فساعة «البوتاسيوم الآرغون» تعد حتى ملياراً وربعاً من السنوات، وهذا يعني إمكانية قياس العمر حتى 12.5 مليار سنة، أي منذ أن وجدت أول ذرة بوتاسيوم في هذا الوجود، ومنذ تشكل النظام الشمسي، وولادة كوكبنا الأرض، فلم يعد بهذه الطريقة شيء لا نعرف عمره الآن. أين أنت أيها الإمام الطبري لتسمع هذه الأخبار المزلزلة؟