الأجواء العربية مشحونة هذه الأيام، والتصريحات والتصريحات المضادة ترتفع حرارتها في الصحف والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي. كما أن القفز فوق «حبال» السياسة والانتقال من «فسطاط» إلى آخر من موضات هذا العصر الملتبس. وفي رأينا -كما نقول دائماً- علينا الانتظار وعدم التسرع في إطلاق الأحكام المتشنجة التي تحدد موقعنا من الصراعات الدائرة في العالم العربي؛ لأن التاريخ سوف يسجّل علينا تلك المواقف، حتى وإن كانت غير صائبة، ولن ينساها. كما أن لغة الإعلام والكتاب -نظراً لسخونة المشهد في مصر على سبيل المثال- باتت تحمل تضمينات وتصريحات لم نكن نعهدها في أيام الدعة والرخاء السياسي. ومن سوء الطالع أن يتخذ بعض الكتاب الموالين لجماعة معينة ومناوئوهم منصات خارجية بعيدة عن الجغرافيا المصرية وتوريط هذه المنصات في الأزمة الدائرة في مصر حالياً، ونعني بذلك الكتابات المتزمتة والساخرة والثائرة والمُخوّنة والمُسفّهة للآخرين في صحف ووسائل الإعلام الخليجية. وهذا يخلق مناخاً من التوتر والفجوة بين شعوب الخليج والشعب المصري ككل! خصوصاً عندما تزول الغمة ويعود الشعب المصري إلى ممارسة دوره الريادي في بناء بلده والتعامل مع الشأن العربي القومي بفعالية أكثر. نقول: لا يجوز أن تكون صحف الخليج وفضائياته وإذاعاته ووسائل التواصل الاجتماعي فيه طرفاً سلبياً في الشأن المصري! ذلك لأننا ندرك عدم ثبات السياسة، وتقلباتها، وخضوع المواقف إلى لغة الدبلوماسية والتكتيك اللحظي، وليست لغة الثبات كما هو في حال الفكر!. كما أن التاريخ -وكما حصل في السابق- سوف يسجّل علينا وعلى بعض كتابنا المتوترين والمتشنجين وعلى الكتاب العرب الذين يكتبون ويظهرون في وسائل الإعلام الخليجية هذه المواقف -التي تبدو اليوم حكيمة وعادلة ومنصفة- لكنها مع التقلبات السياسية لن تكون كذلك. فمن غير المعقول أن يسمح رئيس تحرير صحيفة خليجية لكاتب مصري أن يلعن ويسبّ ويشتم ويكذب ويُسفه آراء فريق آخر، ويناصر ويُجمّل ويمدح ولربما «يُؤَلّه» فريقًا آخر أو رموزًا في هذا الفريق، لأن مهمتنا في الصحافة والإعلام -عندما نناقش قضايا الآخرين- أن نكون منصفين، وألا نسمح أن تصدر عنا كلمات غير حميدة مثلما لا نسمح أن تصدر عن الآخرين نفس الكلمات في حقنا. كما لا يجوز -في ظل فوضى الإعلام- أن نحقّر من نختلف معهم، أو نكذب عليهم أو نزوّر كلماتهم أو نزدري مواقفهم. والقضية الأهم يجب ألا نسمح ب «تمرير» مواقف وأرقام ومعلومات غير دقيقة ومبالغ فيها -كما ذكر أحد الكتاب في صحيفة خليجية أن عدد القتلى في المسجد قد زادوا على ألف شخص، بينما كل الأرقام ذكرت أن الرقم حول 53 شخصاً- لأننا بذلك نخون أمانة الكلمة ونزوّر حقائق التاريخ. وفي رأينا أن يبادر كل رئيس تحرير -مهما توجَّس من اتهامه بخنق حرية التعبير- بأن يقرأ جدّياً مقالات الرأي التي يكتبها بعض المتشنجين -سواء كانوا خليجيين أو غير ذلك- وتفوح منها رائحة الكراهية والشتم والسخرية والتشفي ضد الآخرين؛ لأن الأوضاع السياسية حتماً سوف تتغير، ومواقف الدول أيضاً لن تثبت على حالها، كما أن التاريخ قد ينسى المواقف السياسية، لكن المواقف الفكرية والإعلامية سوف تظل في ذاكرة الناس، ومتى كشف أيُّ كاتب عن موقفه المتعصب المتسرع وانقلب إلى الضد سوف يسقط من حسابات الناس ولن يحترمه القراء. نحن هنا لا نفترض منعَ الكتاب من الكتابة، لكننا نذّكر بالمسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، وندعو إلى تهذيب الحوار وتعقل الخطاب الإعلامي، لأننا لا نرضى إهانة أي مخلوق -حتى لو اختلفنا معه فكرياً-ولا يجوز أن نسمح لأي كاتب أن يتخذ الصحافة الخليجية وفضائياته منبراً للتشفي أو الانتقام أو بث خطاب الكراهية، لأننا لم نتعود على ذلك، ولا نريد لأبنائنا أن يتعودوا على ذلك أيضاً. كما أن لغة الصحافة يجب أن ترتقي بالحوار حتى بين المتناقضين. هنالك فضائيات بالعشرات وصحف بالمئات في تلك البلدان التي تعيش آثار الربيع العربي، ومن المفيد أن توجه تلك الكتابات لذات المجتمع، وتبث تلك المقابلات للمشاهدين الذين يعايشون القضية، لأنها -جغرافياً- سيكون لها قبول أكثر، ولربما مصداقية عنها في الكتابة خارج الجغرافيا أو المنطق. ومع هذا، فإن الكتابة العاقلة والمتزنة والتحليل العقلاني الذي ينور الرأي العام، ويبدي وجهات النظر كلها حول القضية لاشك أنها مرحب بها، ولم نكن نقصدها في هذا المقال.