كتب ألبرت أينشتاين ذات مرة: «إن الإنسان جزء من كيان كبير نسميه الكون، جزء محدود بحدود الوقت والمكان. وهذا الإنسان يدرك نفسه وأفكاره ومشاعره كشيء منفصل عن الآخرين. هذا الانفصال هو نوع من الوهم أو الخداع البصري. ما هو إلا نوع من السجن بالنسبة لنا يقيدنا في حدود رغباتنا الشخصية والحب والإخلاص لأشخاص قليلين جدا هم أقرب من يكون لنا. لا بد من أن تكون مهمتنا هي تحرير أنفسنا من هذا السجن. وذلك عن طريق توسيع دائرة الحب لنشمل جميع المخلوقات والكائنات الحية والطبيعية بكل ما فيها من جمال». هذا النص يخرج به أينشتاين من دائرة العلماء الماديين والفيزيائيين الصارمين إلى عالم الميتافيزيقيا الذي لا حدود له. لكن دعونا من هذه القضية الضخمة الآن ولنركز فقط على جزئية تهمنا، أعني انغلاقنا في أنفسنا على حدود ضيقة. فنحن في الغالب نحصر عاطفتنا واهتمامنا بدائرة العائلة – وطننا الصغير الذي نأوي إليه كل يوم – فالعائلة قد استغرقت كل عاطفتنا واهتمامنا وهي التي نستطيع أن نقول إن كل رجل سيبذل حياته في سبيل الدفاع عنها، وسيرهق أيامه بالعمل من أجل وضع الطعام على الطاولة لهذه العائلة ولتحقيق حاجاتها الأولية والكمالية، بصفة مستمرة. هذا الجزء متفق عليه عند معظم البشر. لكن ماذا عن توسيع هذه الدائرة قليلاً لتشمل الوطن وكل أهل الوطن؟ ماذا عن الوطن – العائلة؟ كثيرون سيقولون إن هذه نقطة متفق عليها، وأن الكتابة عنها ستبدو كالكتابات الإنشائية المكرورة التي لا تأتي بجديد ولا تحقق فائدة. هنا من حقي أن أسأل: هل نحن فعلاً نحب أوطاننا بالدرجة الكافية؟ نعم، هناك محبة بلا شك. أقل ملامحها ظهوراً هو ذلك الانفعال الذي نشعر به ونحن خارج الوطن عندما نرى رجلاً أو امرأة، يحمل نفس لون الجواز الذي نحمله يتعرض لمشكلة حقيقية، وكيف تحركنا تلك العاطفة للوقوف معه ومحاولة مساعدته بالقدر المستطاع. هناك محبة متبادلة بين السعوديين. لكننا بحاجة لتوسيعها وتكريس ما أسميته (الوطن – الخلية) عندما قرأت كلمات أينشتاين. ألا يمكننا أن ننظر لوطننا على أنه خلية واحدة مترابطة؟ أن ننظر له على أنه دائرة واحدة مثله في ذلك مثل الكون الذي هو دائرة كبيرة واحدة؟ من أين نبدأ؟ أعتقد أن الجانب الأقوى هو الذي يفترض أن يبادر. الجانب الأضعف من الفقراء والذين لم ينالوا نصيباً كافياً من العلم، مرهقون من جراء الركض وراء لقمة العيش، مشوشة أذهانهم بأفكار كثيرة تحجب عنهم الرؤية. الطبقة العليا من الهرم، المكونة من الساسة ورجال ونساء العلم والثقافة والفكر والدين هم الذين ينبغي أن يمدوا أيديهم لينشروا فكرة توسيع دائرة المحبة وترسيخ فكرة ( الوطن – الخلية ) وهذه المبادرة لا بد أن يسبقها حالة تطهرية من الانفصال الوارد في نص أينشتاين ودائرة الحب الضيقة الجشعة. لدينا في المملكة قيادة محبة لشعبها والشعب يبادلها المحبة بأشد منها. لكن عندما تصدر القيادة الأوامر التي هدفها إنقاذ الشعب من الفقر والعوز وتكريس الأمن والاستقرار، ثم ترى بعد ذلك أنه ما زال هناك فقر وعوز، وما زالت هناك حاجات أساسية لا تصل لأيدي الناس، عندما ترى الوزارات التي يفترض أن تحقق للشعب تلك الحاجات تتعثر المرة تلو الأخرى، عقداً بعد عقد، وجيلاً يتلوه جيل من المحتاجين والبؤساء، عندما نرى مشروعاً يكلف في بلد آخر مليارين ويكلف عندنا 13 ملياراً، عندما نرى الطبقة الوسطى تذوب وتختفي، فهذا معناه أننا لسنا خلية واحدة، بل جسد يعاني من انسداد في الشرايين والأوردة. لا أريد أن تكون هذه المقالة مجرد ثناء على القيادة وانتقاد للبطانة كما تعودنا طوال الأجيال الماضية. إنني أخاطب الجميع بمن فيهم البطانة المتهمة بالتقصير. دعونا نخرج من هذه الدائرة الضيقة والروح الجشعة. دعونا نحب وطننا فعلا كما ينبغي الحب. الحب لا يكون فقط للتراب. إن محبة من يمشون أحياء على التراب أوجب. إن أي واحد منا عندما يتصرف بطريقة مدمرة تجاه أبناء وطنه، فهذا معناه أنه لا يرتبط ارتباطاً حقيقياً بهذا الكيان، ومثل هذه التصرفات العدائية الجشعة هي نوع من تدمير للذات الكلية، بالكلية. إن فقدان الصلة الوثيقة بالوحدة الكلية يمكن أن ينتج عنه سرطان الخلية ومن ثم سرطان المجتمع ككل. إن هذه النخب التي أخاطبها اليوم -بلا شك- تحمل عقولاً كبيرة أوصلتها لأن تكون نخباً، لكن ما أرجوه هو أن تكون لها قلوب بنفس الحجم.