يبدو أن منتجي الدراما الرمضانية وجدوا في توليفة المخضرمين والدماء الشابة ضالتهم لجذب المشاهدين خلال رمضان، ولجأ معظمهم إلى استجداء الفنانين القدامى لعزف وتر شبه مقطوع من الكوميديا البائسة المعتمدة على الحركات «المكررة» والمستنسخة سنوياً لبعض النجوم الذين باتوا يكررون أنفسهم. غياب الهدف وفي الوقت الذي تستحوذ المسلسلات الأقدر على إضحاك المشاهدين وشد انتباههم على الكعكعة الأكبر منهم، نجح مسلسل «واي فاي» في جذب جمهور كبير من خلال لقطات الإضحاك المركزة في شخصية «أبو عبيد» و«أبو حمد» وضربات الحراك في تقليد الشخصيات الشهيرة، ومناقشة بعض الظواهر باختصار، وتعرَّف منتجوه على طريق سريع لجلب المتابعين من خلال الاختصار وقطع الانتظار لمعرفة الهدف من الحلقات. خطأ التوقيت في حين غامر الفنان سعد الفرج بأداء بطولة كانت له فيها سقطاته، كونه يمثل بين صف من المبتدئين وأجيال الوسط في مسلسل «توالي الليل»، فاستحوذ على شريحة المشاهدين الباحثين عن قصص البؤس والشقاء، وكان له مشاهدون من شريحة خاصة، بينما جاء عرض المسلسل في توقيت معارض للذائقة الفنية. تكرار مُمل صأما سعاد عبدالله وحياة الفهد وإبراهيم الصلال، فآثروا أن يغيروا تمثيل التناحر بين الضرات في مسلسلات الثمانينيات، ليصبوه في قالب لا يخلو من البؤس والإفلاس بين شقيقتين، ليمثل بذلك تكراراً مملاً، كان ضربة ساحقة وسقطة للتاريخ الفني للثلاثة الذين سقطوا في إفلاس النصوص وضياع الفكرة المتسقة مع ذوق مشاهد يبحث عن تراجيديا وكوميديا في آن واحد. تيهٌ وانفصال وظل القصبي والسدحان تائهين في «أبو الملايين»، ومنفصلين عن كعكة سنوية من الجمهور اعتادا أن يقتسماها، فاستعانا بتلميع واجهتهما بنجوم كومديين سحبوا البساط من تحتهما، واستعانا بنصوص مضحكة وطريفة خارج «النص المشفوع» لهما، باحثين عن نيل «صعب» لنصيب الأسد من المشاهدين. فتاوى وشكاوى أما الفنان عادل إمام، فضرب ضربته في إنتاج يعتمد على سحب المشاهدين لمعرفة الحقائق في حلقته الأخيرة، متعللاً بدهاء فني يُغري المشاهد بنهايات لا يفهمها غير منتجو العمل، مستعيناً بصف أول من الفنانين المعتادين على مغامرة النهايات، وسار رفيقه صلاح السعدني ليلعب على وتر الدين والدنيا من خلال مسلسل «القاصرات»، الذي طاف ليرمي إيحاءاته على المشاهدين، ويضرب «ضربة معلم» باحثاً عن الشهرة والسير في طريق خاص، حتى وإن اصطدم بالفتاوى والشكاوى. قصة مستوردة وخلط دريد لحام قصة فيلم إيطالي، ليطل بمسلسل «سنعود بعد قليل» بممثلين جدد، وآخرين منقطعين يمثلون وجوهاً مَنسية، ورمى في المسلسل بطاقات المرأة والمشاعر والغرام والعلاقات المحرمة والتوجهات السياسية في قالب واحد، مربكاً المشاهدين بطبيعة الفيلم، وإيحاءات ما نسجته القصة الإيطالية المستوحى منها، مستبعداً الرؤية والمضمون، ومهمشاً التاريخ والمألوف. فوضى المسابقات وظل طارق العلي وهيا الشعبي يمارسان «فوضى» المسابقات والتعليقات والسخرية جاذبين صفاً من اللاهين وراء الفراغ والباحثين عن «اللهو»، وكان وسيظل جمهورهما خارج «إطار العقلاء والمتعقلين». وظل محمد الشهري بطلته المعتادة والمكررة ليمارس مسابقات من نوع «مثالي» بعض الشيء، واضعاً أمامه صفاً من الباحثين عن «الجوائز» والهاربين من شقاء الدراما. ظواهر محلية أما حسن عسيري وكتيبته في «كلام الناس» فقد عزفوا على أنغام الظواهر المحلية، وأنتجوا إنتاجاً مُرضياً، وعكسوا صورة منفتحة وعادلة لما يعيشه المجتمع السعودي من واقعية مناقشة الأخطاء والسلبيات في قالب درامي، متمسكين ببعض الشخصيات والكركترات التي تحتاج فقط إلى إعادة نظر من حيث اللهجة والتعاطي الدرامي مع النص. تفاوت عجيب وأخيراً، فقد ظلت مسلسلات هنا وهناك تمارس لعبة الدراما، ولكنها تتفاوت تفاوتاً عجيباً مريباً من حيث القصة والمنتج وإرضاء المشاهد، وسط تنامي ذائقة المشاهد الخليجي ورغبته في تلقي وجبات فنية تعكس عبر مرآة داخلية دوافعه النفسية وواقعه المجتمعي، وينتظر المشاهدون ما ستحملة حلقات المسلسلات المعروضة حالياً في دراما رمضان وما تخبئه في الأيام المقبلة، لعلها تشهد تحولاً إيجابياً في النصوص والمضمون. ناصر القصبي وحسين عبدالرضا مشهد من مسلسل (توالي الليل) (الشرق)