قليلون لا يعرفون من هو جيري ساينفيلد. منذ عقود بدأ هذا الممثل الكوميدي، في إضحاك الجمهور الأمريكي بطريقة ال Stand-up comedy أو «فن الكوميديا الارتجالية» عبر «إفيهات» تتطرق إلى هموم مواطنيه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وعقب أعوام كتب مسلسله «ساينفيلد» الذي صنف على أنه أفضل مسلسل كوميدي أنتجته هوليوود عبر تاريخها. بعد عشرات السنين من ظهور هذا الفن الذي برع فيه كثير من الكوميديين الأمريكيين أمثال جيم كاري، بدأ شبان سعوديون باقتحام هذا الفن الذي يتطلب مهارات خاصة. منذ عدة أيام كنت أطالع على «يو تيوب» مسلسلا فكاهيا عنوانه «لا يكثر» قدمه وكتب نصه، بالمشاركة مع آخرين، شاب اسمه فهد البتيري. تذكروا هذا الاسم جيدا. قال فهد في حوار نشرته «شمس» إن العمل لم يكلفه إلا 1000 ريال فقط لا غير. وكان بحق مذهلا، نصا وأداء. سأعود إلى فهد لكن بعد أن ألفت إلى أن الكوميديا السعودية- إذا سلمنا جدلا أن لدينا كوميديا- تعيش الآن فترة شيخوختها، على اعتبار أن النجمين البارزين، السدحان والقصبي، على أعتاب التقاعد. أضف إلى ذلك عجزهما عن الخروج من قوالب محددة لم يتمكنا من تجاوزها أو التفوق عليها. أما الفنانون الذين يمكن تصنيفهم على أنهم جيل الكوميديا الثالث، المالكي والعيسى والجراح والحبيب، فلم يقدموا شيئا يمكن أن يرسخ في الذاكرة. على أية حال، لا يمكن القول، حتى الآن ورغم عديد المحاولات التي اصطبغت باللون التجاري، أن الكوميديا السعودية وصلت إلى مرحلة النضج؛ لجهة النص أو الأداء. وهذا الأخير يجري الخلط فيه غالبا بين الكوميديا والتهريج. مع ذلك تصرف الفضائيات أرقاما فلكية، ويوقع الفنانون، أو أنصافهم، عقودا بملايين الريالات، لعرض أعمال لا ترتقي أبدا إلى مستوى الذائقة المتطورة للمشاهد السعودي. يفوت المنتج والممثل الكوميدي، أن السعوديين باتوا الآن من أكثر الشعوب خفة ظل وقدرة على صناعة النكتة، ولذلك فقد ارتفع سقف الإرضاء كثيرا عما كان عليه قبل عقد من الآن على سبيل المثال. ويبدو أن أمل الكوميديا الهادفة والناضجة، سيكون بيد فهد البتيري وبقية الشبان الذين سلكوا طريق ال Stand-up comedy. ومع وسائل الاتصال والتقنية الحديثة فلن تكون لأنصاف المواهب التي تحظى بالنجومية الآن قدرة على إيقاف هذا المد الشاب. أقول ذلك لأنني قرأت قبل أيام عن نجم «نصف كوميدي» أبعد ممثلا شارك معه في مسرحية؛ لأنه خطف ضحكة الجماهير، وقبلها أحبط ممثلا صاعدا آخر؛ لأن قدراته أظهرت مستواه المتواضع. «ستاند أب» يا فهد.. أنقذ أنت وزملاؤك ما يمكن إنقاذه.