تحولت الحياة إلى الرفاهية، واتسعت البيوتات، وتتابعت النعم، وتنوعت وسائل الترفيه، وساح الناس في الأرض، ويتواصل الناس وهم في مكانهم، وتتسارع الخدمات! ومع ذلك تضيق النفوس، وتتضخم المشكلات، وتزداد الجرائم، وتتبلد الأحاسيس، حتى ماتت القيم، وتهاوت الأخلاق، وغابت الرقابة، وبردت المشاعر وضعُف التواصل! كانت البيوتات مصدراً للأمان والاستقرار، وحصنا وقرارا، مع «حنّة ورنّة» بأهلها وأبنائها وضيوفها، وبتحول متسارع يدخلها الغرباء! الغرباء.. أقصد الخدم على اختلافهم، والغرباء الذين دخلوا من غير استئذان من نافذة الأجهزة التقنية بتفاعل حقيقي وحضور افتراضي. عجباً لأمرنا نُدخل بيوتنا من تربى كثير منهم في شوارع منفلتة! لا دين ولا أخلاق ولا تعليم ولا أدب! وما أن يصلوا إلينا حتى نرمي في أحضانهم فلذات أكبادنا الأطفال، ونأمنهم على أسرارنا، فأصبحوا آباء وأمهات افتراضيين! نحن زوّرنا حياتنا! بحياة ليست حقيقية واقعية! ابتعدنا عن بيوتنا إلى حياة افتراضية، استراحات ومقاه وغيرها، فتخلّق أبناؤنا في البيت بما ليس من ديننا، وبممارسات ليست من أخلاقنا! حتى صرنا وصاروا غرباء في بيوتهم!وطغى الموت فيها، لا حبّ ولا ودّ، ولا جلوس ولا حديث، ولا نقاش ولا تبسّم، شتات بلا قرار! وإن حصل فهوّة سحيقة، ومسافة بعيدة بين الآباء والأبناء والمجتمع! وتحوّل الموت المعنوي إلى حسّي فسمعنا ورأينا الموت نحراً لأطفال في بيوتهم وقتلا لآخرين! «كفانا الله وإياكم الشر والفتنة»! حتى قضت التقنية بوسائلها المتعددة المتنوعة على ما بقي من حياة وأخلاق حقيقية. غرباء في بيوتهم! هم نحن والله اليوم! أما آن للزمن أن يرجع لنا بساطته ولمّته؟! إذا كنا وصلنا إلى تلك النتائج اليوم، فماذا ستكون الحياة للأبناء والأحفاد؟!أخشى أن نذوب مع ثقافة الغرب، وأن الأسرة أسرة أطفال فقط! ومن ثمّ الشتات والتفرق والتشرذم! كل في حال سبيله! «ليهلك من هلك عن بينة»!لنرجع لبيوتاتنا، ولنخرج منها الغرباء ولو مؤقتاً، لتصحوَ سماؤها، ولننعم بأنفاس النقاء والصفاء. ولنستغل شهر رمضان شهر الرحمة والإحسان والعفو والغفران في أن نتجمع حول أنفسنا وأبنائنا ومجتمعنا فننعم بالجسد الواحد.