غلاف «سالفة طويهر» (الشرق) كاظم الخليفة – كاتب سعودي كاظم الخليفة اللافت للنظر في المجموعة القصصية «سالفة طويهر» للإعلامي جعفر عمران، امتلاؤها بعنصري الحركة والمكان، بحيث يشكلان الطابع العام للمجموعة. لذلك يتضافر هذان العنصران في فضاء السرد، ليكوّنا شخوص القصص، ويؤثرا فيها، وفي ملامحها، وسواء جاءت الشخصية رجلاً أو امرأة أو حتى ملفاً أخضر؛ فإن الشخصية لا تنفك تجوب الأحساء، نحو أماكن تكون مسرحاً لحدث أو بيئة بعينها تشكل خلفية المشهد الدرامي ويتم توظيفها في العمل السردي. مساحة المكان في مجموع القصص لا تتعدى حدود قرية أحسائية، وقد تتسع لتصبح بحجم إقليم، لم يمنحها القاصّ أي اسم، بينما يحضر المكان بمسماه الحقيقي في جميع مشاهد القصص (عدا المسرح الحقيقي لمجموعته)، وهي قرية السارد نفسه، تنطلق منها الأحداث وتعود إليها. حركة الزمن متسارعة عندما تتحرك الأحداث خارج القرية، ودائماً تكون عابرة تتكثف فيها الصور بسبب امتطائها سيارة (التاكسي) تارة، وحافلة توصيل المشاوير الخاصة تارة أخرى، وكذلك تمثل المركبة مكاناً آخر، حيث تشارك القرية في أحداث القصص «كانت هذه الأحاديث تدغدغ سمير، فيقود سيارته وهو منشرح، باتزان يحاذر مطبات وتعرجات الطريق التي تمتلئ بها شوارع الأحساء». أما في قصة «ملف أخضر» يتربع السارد على «طبلون» السيارة ويروي «أنا ملف علاقي أخضر، كما تراني، منسي على (طبلون) سيارة (التاكسي)، جلدتني الشمس حتى استحالت أطرافي إلى اللون البني ولكني الآن على طبلون السيارة عرضة للمارة، وأمام نظر كل من يركب سيارة الأجرة، نزرع الشوارع، يركب معنا خليط من البشر، سئمت الركود، سيارته قديمة متهالكة لا صوت (راديو) ينبعث ويسليني، ولا جهاز التسجيل به أترنم على مزاج عبد الحميد… الذكرى الجميلة، عندما اختارت المعلمة أم شاكر أن تذهب إلى المدرسة معنا مع ابنتها عبير والصغرى ليلى وابنها سلمان، كنت أصحو منذ الصباح وأنفض غلافي، حتى أن عبد الحميد بدأ يلبس ثياباً نظيفة…». هنا تستقر الحركة فجأة وتتلاشى ملامح المكان، عندما ينتقل الحدث إلى المقبرة!، حيث يتقدم السرد بخطى آلية رتيبة، كاميرا مراقبة مثبتة على مشهد واحد، تعبرها الأشخاص دون ملامح وتختفي ببعدها عن مساحة العدسة!، ربما أرادها السارد متوافقة (هكذا) مع طبيعة الحدث: «صمت يغلف الكون، تمتلئ المقبرة بالصمت، نظرات تائهة لا تقع على شيئ، ما من شيئ يستحق تركيز النظر، رهبة تملأ المقبرة، عيون مفتوحة في الفراغ تصوب نظرها إلى فتحة القبر تتابع دفن علي…». كان بإمكان الأستاذ جعفر عمران، أن يوزع مجموعة القصص على فصول عدة في رواية واحدة، لكنه (لنفس الدافع في إخفاء اسم المكان)، أرادها أن تعبر عن شخوص حقيقية بهويات مجهولة أيضاً، إلا أنها تدور في دائرة الحرمان والتباين الطبقي في مجتمع تكون قاعدته العريضة الطبقة التي تعيش تحت خط الحرمان سواء المادي أو العاطفي. كذلك هي اللغة السردية، فقد تراوحت بين التكثيف الشعري في توظيف اللغة لاتكائها على المجاز والاستعارة، وبين العامية بمفرداتها شديدة البساطة. وكل ذلك وظفه القاص باقتدار حتى يكون إيقاعاً صوتياً أو بعداً ثالثاً للسرد، بعد المكان والزمن. لعل المقطع التالي يدعم وجهة النظر هذه: «خرجت من غرفة المدرسين مستغرباً، تملكتني الدهشة من اللهجة الجديدة «للبحر» ومن الكلمات الجديدة التي أسمعها منه: قطاعات، الملز، تعميم… ما هذه الألغاز، الظاهر أن الدنيا تطورت وأنا (ما أدري)، طورها البحر». أما عندما يوظف اللغة في السرد: «وها أنا قارب متكسّر في رمل الشاطئ تمتلئ عيناي بالبحر ولا أدخله، ولا أغوص فيه، يتلاطم أمامي ولا تصل مياهه إلى أطرافي ولا يبل ماؤه يباسي، متكسر ومنحنٍ، لا أملك إلا النظر». سبع قصص وستون صفحة وظف فيها الأستاذ عمران مزيجه الإبداعي، الحركة والمكان والإيقاع اللغوي، وإن كان بسّطها في «سالفة».