المبالغة في عقلنة وأرخنه الدين (إخضاع الحقائق الإيمانية لقواعد العقل والتاريخ) من أهم الأسباب التي تؤدي إلى زيادة معدل الشك والريبة والتخبط الفكري والإيماني الذي أشرنا إليه في المقالة السابقة تعليقاً على ما نشره معهد غالوب حول انتشار الإلحاد في المجتمعات الإسلامية. التأثر بالمؤلفات والكتابات التي بدأت في عصور الاستعمار يُعد سبباً آخر لهذه الظاهرة، حيث طالت هذه الكتابات كثيراً من الحقائق الإيمانية بسبب ضعفنا في المجال العلمي والحاجة إلى إخضاع الدين لمقاييس العلم وتخليصه من الغيبيات والخوارق حتى لا تخالف المألوف وقواعد العلم والعقل والفلسفة (صار معنى « الطير الأبابيل» مرض الجدري، و« الإسراء» سياحة بالروح، وتضحيات الرسول والصحابة ثورة يسار) مما يؤدي في النهاية إلى تغييب الإسلام عن حقائقه الغيبية ونسف الوحي وفكرة الثواب والعقاب والجنة والنار. تداعيات هذه المدرسة مازالت تؤثر على الذين لم يتحقق لهم الرسوخ المعرفي والاطلاع على المنهج الصحيح لدراسة التاريخ والحقيقة المقدسة دون إقحام العقل فيها كما يذكر وليم جمس وديفيد هيوم. ومن الأمثلة الصارخة التي وقع فيها كثير من الكُتَّاب والمؤلفين (بوعي أو بدون وعي)، التمجيد الشخصي للرسول – صلى الله عليه وسلم-ووصفه بالعبقري والقائد السياسي والمصلح الاجتماعي بمعزل عن النبوة والهوية التي قدم بها نفسه للناس، وأنه مكلف برسالة محددة. وذلك يوجب علينا دراسة شخصيته من خلال هويته التي أعلن عنها المعتمدة على النبوة والوحي والتأييد الإلهي، التي بدونها يستحيل علينا فهم الحقائق الإيمانية وسيرة الرسول الكريم وأحداث الفتح الإسلامي إذا حكمنا مقاييس العلم والتاريخ فقط.