القروي الآتي ب «كراتينه» علي بن الجهم مدح الخليفة قائلاً: أنت كالكلب في حفاظك للود ..)! وحين أثّرت عليه الحضارة – بجمالياتها وطبيعتها وحلاوتها- أنشد: (عيون المها بين الرصافة والجسر..)! ولكن أستاذنا محمد آل الشيخ يرى خلاف ذلك «مغرداً»: (مشكلتنا أهل الأرياف؛ ترييف المدن، ونزوح أعداد ضخمة إلى المدينة، أعاقت التحضر، فالريفي يفرض رؤاه وتخلفه، ويضطر أهل المدن لمسايرتهم لكثرتهم)! انطلاقاً من كلمته البادئة وهي: «مشكلتنا»! أسأله: مشكلة من؟! سكّان المدن «الرئيسية»؛ أم أصحاب الحضارة؟! ذلك أنه ليس بالضرورة أن يكون ساكن المدينة حضارياً بالمفهوم الشامل للكلمة؛ فحينما تتباهى بتحضرك استناداً لنشأتك في «المدينة» متمتعاً بآخر ما اخترعته التكنولوجيا فإني سأخبرك أن هذه الأشياء لا تثبت «حضاريتك» بالضرورة! كل ما تفتخر بامتلاكه لم تشارك فيه فأنت مجرد «مستهلك»!؛ وفخرك هنا وهمٌ تصطنعه تعلقاً بالبهارج بفهمٍ قاصر للحضارة التي تتجلى بعمقٍ أوسع وأرقى من فهمك كأسلوب حياة تفكيراً وسلوكاً وتأثيراً وبناءً وتفاعلاً واحتفالاً دائماً بالجمال والفن والتعايش! إن إحساسك بالعجز تجاه تأثيرك الحضاري – الذي لم يتبلور فيشكل أرضية صلبة ليملك قوته المؤثرة – هو ما يجعلك محتفلاً بالقشور؛ لذا فتعليل العجز بالكثرة الغالبة للقرويين لا أساس له بل يرسّخ «العجز» بعدم فعالية المدن في تعزيز قوتها الحضارية أو يجسد ضعف بنيةِ الواقع الحضاري غير المكتمل من الأساس بالمدن؛ ما يعني أن أبناء المدن غير قادرين على المبادرة والتأثير مما يجعلهم والقادمين من القرى في صفٍّ واحد ولا يحسن الفخر عند التساوي! وحتى هنا لا يستويان لأن القروي – راكب الحمار الذي تراه متخلفاً – قد يكون محققاً للمعنى الحضاري أكثر من ابن المدينة! من خلال الانفتاح على ما حوله والعمل الدؤوب اعتماداً على النفس فيأكل من حقله ويخيط ثوبه ويبني بيته بيده ويمتلك كل مقومات الفهم والمعرفة بواقعه؛ تجده معتزاً بقيمه وعاداته بجانب بساطته وأسلوب حياته ككل! فأيهما الحضاري أكثر؟!