تشتكي من البطالة، والفساد المستشري بأكثر مفاصل الجسد، فيقاطعك: «كَمَا تَكُونُوا يُولَّى عَلَيْكُم»، ويترك لك حريّة الفهم! تحدثه عن غلاء المعيشة، وكيف أن الأسعار «خشّت في عين» محترفي الوثب العالي، ولم يستطع أحد اللحاق بها.. فيتمتم بالآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.. تحتار هل (التغيير) الذي سيحّل مشكلة ارتفاع الأسعار هو مرتبط بك كمستهلك أو بالتجّار، إلا إذا كان يقصد (تغيير) نمطك الغذائي، لكن حتى سعر «الأعلاف» هو الآخر مرتفع! تثرثر له عن اكتشافك المؤلم، حيث إن ثلاثة فنادق ضخمة جداً في مدينة متوسطة كلها مملوكة (للجمعية الخيرية في المدينة) ومؤجرة كفنادق بمبالغ ضخمة، ومع هذا لا يجد المسجلون في قوائم الجمعية إلا «فتاتا» لا يستحق ما يهُدر لأجله من كرامة المُستحق، فينظر لك مُشفقاً ويتلوا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.. فتعترف له بأنك لا تفهم بطريقة الاستثمار بالصدقات وتعوذ بالله أن تكون من النادمين.. تبدي له شكوكك من هؤلاء الدعاة الذين يشتمون تخاذلك عن عدم نصرة أخيك الذي يُقتل يومياً في أصقاع الأرض رغم أنهم يعلمون أنك (لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مالُ)، فيذكرك بحديث (المؤمنون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد…)، تُكمل الحديث، وتقول له إنك تشعر بهم وبآلامهم وتدعو لهم، يقاطعك: النصرة واجبة..تسأله هل تقصد الجهاد؟..يختصر وكأنه تذكر شيئا مهماً: على الأقل حدّث نفسك به.. ويخرج منتشياً بأنه لم يقلها! تسأله عن (رأيه) بقضية ما، فيُسمعك كل الآراء التي قيلت في هذه القضية إلا رأيه هو، تحاول أن تكرر طلبك بمعرفة (رأيه)، فيهمّش سؤالك لأن المسألة حُسمت ممن كان قبله، تذكّره بأن (الرجال يعرفون بالحق، وليس الحق يعرف بالرجال)، فيحذرك من مغبّة جرأتك، فتستفتيه: هل في ذلك حرج؟ فيجيبك: نعم ففي ذلك حطّ من هيبة وقيمة العلماء الأوائل! تصل لقناعة أخيرة: كثير من (ربعنا) مثل (جوجل) يحفظون كل شيء.. ولا يفكّرون بأي شيء!