قبل أسبوعين قصدت وأبنائي مجمعا تجاريا في القطيف ولم أكن أعرف موقعه فلما لم أجده في المنطقة المتوقعة عندي مسبقا وقفت على جانب الطريق أسأل شابا فسلمت عليه ورد علي التحية مظهرا البشاشة والود فسألته عن موقع المجمع فلم يعرفه فلما هممت بالانصراف، كأنه تذكره فلحق بي واستوقفني فأشار إلى موقع يظنه المطلوب لكنه لا يعرف كيفية الوصول إليه، فشكرته والتفت إليه أبنائي بالشكر والتحية، ثم أردت الجزم بما وصف لي الشاب فأشرت إلى صاحب السيارة الواقفة بجانبي عند الإشارة فحييته وحياني فلما سألته عن الموقع أراد وصفه لي ثم بادرني بالطلب أن أتابعه حتى يوصلني للموقع وبالفعل تم ذلك. ولم أشعر حينها إلا أنني مواطن بين مواطنين، أنا في الخبر أم في القطيف في الأحساء أم عرعر أم جيزان، في حائل في جدة في بريدة في الرياض في المدينة في مكة، كلنا في وطن واحد يضيرنا ما يضير أي جزء منه وكم من سرور سرنا لمسرة جزء منه، كل هذا نشعر به ونعتز على اختلاف أشكالنا واختياراتنا وجيناتنا وأنواعنا، فنحن نسكن في وطن واحد كمجموعة أسر تسكن في عمارة واحدة. ما يحدث في العوامية أمر لا يخص مجموعة خرجت للشوارع تخالف النظام في محيطها فحسب، بل المسألة أعم فالنظام يجب احترامه من الجميع، لأن السلامة مطلب للجميع، والأمن مرتبط بالجميع، ولا أحد ينكر أهمية الأمن في أي بقعة يعيش فيها بشر، وأما الغاب فلها شأن آخر مع غير البشر، ونحن في مملكتنا الغالية قد أنعم الله علينا بالأمن بشتى صوره، وإذ الطمأنينة ورغد العيش عنوانان للحياة الطيبة التي من أبرز مظاهرها الأمن فقد وعد الله به المؤمنين العاملين الصالحات مصادر طاقتنا واحدة وإن اختلفت طرق استخداماتنا لهذه الطاقة، وجميعنا معني بالسلامة العامة لهذه المصادر، لأن أي خلل عام ينشأ من أي تصرف خاص يوجب حرص الجميع للوقوف بوجه من يصدر منه التصرف وإن ادعى خصوصيته لنفسه، فمتى ما تعدى الخطر الشخص ليصيب غيره وجب ردعه، ولذلك نجد أن الأمن العام مرتبط بسلوكيات الأفراد والجماعات، أرأيت لو أن أحد سكان عمارة أراد أن يستخدم في شقته الخاصة مواد مشعة تصدر من أجهزته الخاصة لكن مدى أضرارها سيتجاوز ليصل إلى القاطنين في العمارة، فهل نقبل ادعاء خصوصيته هذه، وأن له الحق بأن يتصرف في شقته ما يحلو له، بالطبع لا، فهو يسكن في جزء من عمارة، ولذلك فعلى المسؤول عن هذه العمارة وتنظيم الأحوال فيها، عليه أن يمنع أي تصرف فيه ضرر على الآخرين، فإذن ما يحدث في العوامية أمر لا يخص مجموعة خرجت للشوارع تخالف النظام في محيطها فحسب، بل المسألة أعم فالنظام يجب احترامه من الجميع، لأن السلامة مطلب للجميع، والأمن مرتبط بالجميع، ولا أحد ينكر أهمية الأمن في أي بقعة يعيش فيها بشر، وأما الغاب فلها شأن آخر مع غير البشر، ونحن في مملكتنا الغالية قد أنعم الله علينا بالأمن بشتى صوره، وإذ الطمأنينة ورغد العيش عنوانان للحياة الطيبة التي من أبرز مظاهرها الأمن فقد وعد الله به المؤمنين العاملين الصالحات كما قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}. كما وعدهم سبحانه بقوله {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}. فالحياة الطيبة والأمن، نتائج للإيمان بالله وحده وللعمل الصالح، ولذلك نجد في دعوة نبي الله ابراهيم للبلد الحرام مطلبا في إشارة لذلك، كما قال تعالى عنه: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر} وكما قال عز وجل: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}. وقد استجاب الله فقال {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا}، حتى أصبح الأمن وصفا ربانيا لمكة كما قال تعالى: {والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين}، وإن مما يضمن ترسيخ الإيمان واتجاه الناس للعمل الصالح المورثة للبلاد أمنا واستقرارا هو قيام الوالي الصالح الناصح لرعيته بتطبيق شريعة الإسلام، والعمل بأحكامها وهو بفضل الله ما نعيشه في هذه البلاد، راعية البلد الأمين أدام الله عزها ومجدها وولاة الأمر فيها بعزه ونصره، وإن العجب كل العجب ممن ينجر وينسحب وراء دعاوى لا يريد صاحبها سوى مصالح شخصية هادمة، وإن ذهبت مصالح من يصدقه ويتابعه، بل هم أول من يقع الضرر بهم ويلمسونه دونه، فأين تحقيق المصالح العامة الهادفة، إنه لا أحد يقبل تفويت مصلحة عامة ينتفع بها الجميع بتقديم مصلحة خاصة، فكيف يقبل عاقل وقوع مفسدة ضارة بالجميع وتفويت مصلحة نافعة عامة للجميع، ونحن في بلد لا يخلو من حاسد أو حاقد في الداخل والخارج، فأين تحكيم العقل وإلا فحكم الشرع واضح المعالم. فمن الذي يفقد الأمن ويتسبب في فقده عن نفسه وأهله باتباع مفسد أو مسرف، لا عاقل يفعل ذلك، من الذي يفوت مصلحة عظمى تتعلق بسلامته وأمنه واستقراره وأهله وبلده وراء دعوى تحقيق أمر من الأمور التي يمكن تحقيقها بدون مفاسد؟ هل يعقل يا عقلاء العوامية أن تسمحوا لجهال أن يصنعوا ما صنعوا ويمعنوا في الفرقة ويمنعوا الوحدة؟ ولماذا ولمصلحة من؟ والمتضرر من؟ وعليه علينا أن نعي الصورة التي نحن عليها جيدا والواجبات المترتبة على المحافظة على مكتسباتنا كثيرة تبدأ من كل فرد فينا، ومهما تعددت اختياراتنا الذاتية في التعامل مع الأشياء أو تنوعت مذاهبنا الشخصية في مسالكنا ومشاربنا إلا أننا نعيش في وطن واحد، قد وحد أركانه وجمع أطرافه على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان وقد سار على نهجه أبناؤه من بعده – جزاهم الله خير الجزاء – فأصبحنا جميعا نعيش خطط التنمية حيثما كنا، وهذا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله – حفظه الله ورعاه – يؤكد على ذلك، ومن حرصه رعاه الله على تطبيق ذلك من الجميع وللجميع، فقد أنشأ أجهزة تتابع المقصر لمحاسبته، وترفع عن التقصير لمعالجته أينما حدث، وليس لأحد أن يدعي التمايز في اكتساب الحقوق أو أداء الواجبات، فبيعتنا لولي أمر واحد منا جميعا، ولن نسمع لكائن من كان في تفريق لحمتنا أو تشتيت مجتمعنا ولو قال ما قال، وانظر ماذا يقول النبي صالح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم حين حكى الله قوله لقومه: {أتتركون في ما هاهنا آمنين، في جنات وعيون، وزروع ونخل طلعها هضيم، وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين، فاتقوا الله وأطيعون، ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} وانظر الى محصلة مخالفة النصح، واتباع الهوى والضلال {قالوا إنما أنت من المسحرين، ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين، قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم، فعقورها فأصبحوا نادمين، فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} فالحذر الحذر من المتهورين والمخادعين، وأنا هنا أخاطب العقلاء بما يفهمونه، مؤكدا على ما بدأت به من أننا نقف في بناء وطننا صفا واحدا، نرفع الدعاء لجميعنا كما علمنا ربنا في صلاتنا أن ندعوه قائلين {اهدنا الصراط المستقيم} ليذوب عامل الأنا فيما يحقق المصلحة العامة ويكون المسلم في مجتمعه جزءا يرعى مصالحه داخل المجتمع كما يرعى مصالح المجتمع داخله كجزء في جسد كما شبهه الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إذ قال (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) حفظ الله بلادنا وولاتها وأهلها من كل مكروه.