علي عسيري في أحيان كثيرة يعتبر الصمت مفيداً وفعالاً ونافعاً كونه يعد ميزة وصفة تميز صاحبه وفق المثل القائل «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب». بعض الأشخاص قد يصمتون لكي يستمعوا ويسمعوا حديث غيرهم، وبعضهم يصمتون لكي يركزوا في أقوال المتحدثين، وبعضهم يصمتون من أجل عدم أكل لحوم البشر بالغيبة والنميمة والكلام الفاحش غير المفيد، وقد تصمت ثلة كنوع من أنواع الطبائع المحببة إلى النفس وكنوع من أنواع احترام مشاركات الكبار والمثقفين. الصمت المخيف ذاك الصمت الذي يخجل صاحبه من المطالبة بحقوقه المشروعة فيخنع ويخاف ويرتعد من قوة وصلابة وتسلط الأقوياء، وتصبح حياته ومطالبه وحقوقه في مقبل أيامه هدفاً دائماً لأقاربه ومن يعرفه ويعرف طبيعته وسلوكه المخيف. الصمت مخيف عندما تتحجر وجهات نظر الشخص وتتلعثم الكلمات وتقف العبرات في داخل صدره ليعبر عن مطالبه بالزفرات والتنهدات والألم والقهر والغلب، فتنكسر شوكته ويقل بريقه ويصبح رأيه مع آخر وجهات النظر المهمشة على سلم هذه الحياة. الصمت مخيف عندما يتعرض الشخص لمواقف محرجة وحساسة يفقد من خلالها كلمته وردَّه ودفاعه بكل بسالة عن نفسه وعن حقه وعن دوره ووجوده داخل منظومة مجتمعه وأمته. الصمت مخيف، ذلك الصمت الذي من خلاله تكسر هيبة الزوج وكلمته وكرامته وشخصيته أمام أبنائه وبناته من قبل زوجته ليصبح فيما بعد أضحوكة يتحسر عليها ويرحمها أولئك الأبناء والبنات فتصبح شرخاً غائراً في علاقتهم به وعلاقته بهم. ذلك الصمت المخيف قد يصبح في لحظة ما من لحظات الإنسان مدخل شر، فيتم الزج به بين براثن الجريمة فيتحمل مكرهاً ذنب وأخطاء غيره وتصبح مسألة الدفاع عن نفسه معضلة حقيقية تمثل حجر عثرة في طريقه وطريق سعادته وتكيفه وراحة باله. ليس هناك قول وتصرف وفعل وسلوك يعادل التصرف والقول والفعل والسلوك بوسطية معقولة ومناسبة مع كل مطالب الحياة وضروراتها وفق قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» ولكنها ليست في حاجة إلى ذلك الصمت المطبق الذي يكمم الأفواه ويخرس الألسن دون أسباب واضحة تحفظ كرامة وحضور ورأي وحقوق أصحابها.