أثار اختيار جامعة الدول العربية لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ليلعب دور الوسيط مع سورية، كثيراً من التساؤلات عن أسباب هذا الاختيار ومدلولاته، وإن كان هذا يعني من الناحية العملية اعتبار حماس شريكاً عربياً يستطيع أن يسهم في تشكيل الخارطة السياسية العربية، والمصلحة التي تحققها حماس من لعب هذا الدور، وهل هي فعلاً مؤهلة للقيام به؟ وفي هذا الإطار كشف مصدر مسؤول في حركة حماس ل”الشرق” أن ثمة أسباباً مهمة وراء اختيار الجامعة العربية لمشعل كي يلعب دور الوسيط مع سورية، وهي أن علاقة حماس مع النظام السوري لم تصل إلى درجة القطيعة الحاصلة بين النظام ودول عربية أخرى، إضافة إلى أن اختيار حماس تم على أساس أنها خلال الفترة الأخيرة أصبحت تتمتع بعلاقات ممتازة مع عدة دول عربية كانت تمسك بالملف السوري مثل قطر. وشدد المصدر على أن اختيار حماس جاء أيضاً انطلاقاً من كون الحركة لها مصلحة في حل الأزمة السورية بدون تدخل دولي؛ لأن التدخل الدولي يعني إنهاء وجودها على الأراضي السورية بشكل كامل، كما تشكل سورية عمقاً استراتيجياً للحركة؛ بسبب الكثافة الفلسطينية على أراضيها، بخلاف دولة مثل تونس أو تركيا. حماس في موقف لا تحسد عليه خالد مشعل وأشار المصدر إلى أن سورية قبلت وساطة حماس؛ لأنها ليست طرفاً دولياً، بل طرف عربي لم يشارك في قرارات الجامعة العربية ضد سورية. أما بالنسبة لحماس، فكان الأمر كنوع من رد الجميل لسورية على احتضان الحركة لسنوات طويلة على أراضيها. وكشف المصدر أن خالد مشعل طلب لقاء بشار الأسد للعب دور الوساطة، إلا أن الأخير رفض لقاءه إلا بحضور وسائل الإعلام، وهو ما كان مشعل يرغب في تجنبه؛ ما أدى إلى فشل حدوث اللقاء، وجرت الوساطة على مختلف مستويات القيادة السورية التي تتمتع بعلاقات جيدة مع مشعل، بمن في ذلك نائب الرئيس السوري فاروق الشرع. وتقف حماس من أمر الوساطة على خيط من حرير، فهي من جانب تحفظ الجميل للرئيس السوري بشار الأسد، الذي احتضن (حماس)، وتميز بعلاقة شخصية مع مشعل، ومن جانب آخر حفظ الجميل للشعب السوري الذي احتضن المقاومة والشعب الفلسطيني، خاصة مع حجم الاحترام الشعبي الذي يتمتع به مشعل في سورية، وهي بذلك في موقف لا تحسد عليه، ولا تريد أن تغامر بخسارة أكبر حليف من حلفائها، أو أن تنقلب عليه. إمكانية لنجاح وساطة مشعل ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة مخيمر أبوسعدة أن هناك إمكانية لنجاح مساعي مشعل في إقناع القيادة السورية بوقف حمام الدم، وإنجاح المبادرة العربية؛ لأنه إذا فشلت الجامعة وفشلت المبادرة، فمن الممكن أن يتم تدويل القضية والملف السوري، وربما تكون هذه المحاولة العربية الأخيرة لوقف حمام الدم قبل تدويل الملف السوري. بشار الأسد وأوضح أن البيئة السياسية في المنطقة العربية مناسبة لحماس، في تونس والمغرب وتركيا والسودان ومصر؛ لذلك فإن حماس في المحيط العربي، وخاصة مع تغير أنظمة الحكم، أصبحت لديها قدرة على نسج علاقات إيجابية وجيدة مع المحيط العربي، تمكّنها من لعب دور الوساطة. ويبدو أن الثقة التي حظيت بها حماس من الأمين العام للجامعة العربية، وتمددها عربياً، لم يعجب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي عابت على مشعل قيامه بهذا الدور، ورأت أنه تدخلٌ في الشؤون الداخلية لبلد عربي. وأبدى أبوسعدة استغرابه من موقف منظمة التحرير، التي انتقدت دور مشعل، مشيراً إلى أن الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، لعب دور الوساطة على مدار أربعين عاماً من الثورة الفلسطينية ولم ينتقده أحد، “فلماذا ينتقدون مشعل اليوم؟”. وقال أبو سعدة “البعض يعتقد أن قيام مشعل بدور الوسيط يخطف الأضواء من منظمة التحرير وقيادة المنظمة، باعتبار أنه أصبح قائداً فلسطينياً وعربياً يستطيع أن يقوم بدور الوساطة في القضايا العربية”.