غلاف رواية "رمال ناعمة" القاهرة – رويترز تتوسل شهرزاد في حكايات “ألف ليلة وليلة” بسرد قصص تبتكرها لكي تطيل عمرها ليلة بعد أخرى، وفي رواية “رمال ناعمة” تستعين الكاتبة المصرية درية الكرداني بالحكاية لكي تخلص بطلة روايتها من عبء يكاد يصيبها بالجنون، وحين فتحت “صندوق الكلام” تعافت من وطأة “عبوديتها” لزوج هو النموذج لازدواجية المثقف وتناقضاته. فالفنان التشكيلي بطل الرواية، أو زوج البطلة، كان رمزاً للتمرد والتحرر في سنوات التمرد والتحرر، ولكنه في مرحلة لاحقة في ثمانينيات القرن العشرين بدا في كثير من المواقف زوجاً تقليدياً محافظاً يتعمد طمس شخصية زوجته الشابة، ويفتعل مواقف لإهانة كبريائها وأنوثتها، ويعاملها كخادمة كما تقبل الفنان الذي كان متمرداً فكرة تسليع أعماله وخضوعها لمنطق السوق. وبطلة الرواية التي بدت مطيعة ومستلبة وأقرب إلى الخادمة، أو الممرضة، رهنت حياتها لزوج لا يؤمن بها، وعاشت في ظله أطول مما تحتمل زوجة، وتأخر تمردها بشكل لا نجد له مبرراً فنياً في الرواية التي تقع في 315 صفحة متوسطة القطع، وأصدرتها دار الثقافة الجديدة في القاهرة. ولكن تلقائية الرواية التي حفلت بكثير من الأخطاء النحوية والأسلوبية نجحت في أن تجعل القارئ شريكاً في الأحداث التي لم تكن مفاجئة، إذ لم تخفها بطلة الرواية في الصفحات الأولى، وهي تسجل أنانية الزوج صاحب الذات المتضخمة، وهو يقول لها “حافظي علي كفنان، فيصبح مجدي وما أحقق لنا نحن الاثنين معاً”. وسيمر نحو عشرين عاماً، وأكثر من 220 صفحة في الرواية، حتى تكتشف البطلة أنها كانت “مريضة بالارتباط به”، وهو غير مبرر فنياً أيضاً، إذ لم تشعر طول هذه السنين بالتحقق “العاطفي”، أو الشخصي. ومؤلفة الرواية درية الكرداني، التي تعمل مدرسة للغة العربية في جامعة نورث كارولاينا في أمريكا، عنيت بتفاصيل كثيرة وصغيرة تتناول سيكولوجية بعض المثقفين، وطبيعة عمل الفنان التشكيلي، واستغراق الزوجة في أعمال منزلية عادية، ولكن السرد منحها جمالاً كأن القارئ يراها للمرة الأولى. ففي مشهد طويل جداً، كانت الزوجة مشغولة بغسل الأواني في المطبخ، وطلب منها أن تعد له عصير برتقال، وتأخر إعداد العصير قليلاً، فلاحقها “الفنان” باتهام يليق برجل تقليدي “أنت لم تخلقي لتكوني زوجة”، وهي تحاول الانتهاء وتغني ففوجئت به ينقض عليها ويمنعها أن تغني، وامتدت يداه لتشل حركتها وتخنقها، ولم تستطع الفكاك من يديه إلا بضحك هستيري ورشه برغوة الصابون وهو يلومها “بللتني. وبماء وسخ؟”، وهو الموقف الحاسم الذي قررت بعده ألا تقبل الذل. تكتشف الزوجة الشابة جانباً مما تراه ازدواجية للمثقف، حين يقول لها زوجها الفنان “طاعة الزوج من طاعة الرب. الشرع يقول إن حق المرأة على زوجها مرة واحدة بعد الزواج”، بل يستكثر عليها أنها أطول منه قامة، وهي ترد مندهشة “لو كنت فكرت أنك ستقول يوماً (الشرع) ما تزوجتك. ألم تقل إنك يساري يدافع عن مبادئ كذا وكذا؟”. وكأن الراوية تريد أن تثبت للقارئ نسبية الأشياء والمواقف، فما يراه بعضهم امتهاناً يراه آخرون تضحية.. فالبطلة وهي طالبة جامعية معتزة بنفسها تماهت مع شخصية الفنان التشكيلي الذي تراه أحد مثقفي مصر العظام، ولكنها تنازلت عن حماسها لأفكار “المساواة وحقوق المرأة”. وعلى الرغم من امتهانه لها، وتسفيه أفكارها، وعدم إيمانه بأنها تصلح لأي شيء، فإنها لم تكن تشعر “بوجود الرجال الآخرين كرجال”، وظلت تنتظر أن يمنحها الزوج بعض الحب والاهتمام وبعض الثقة. ويتأكد لها أنها كانت مبالغة في تصورها “عن احترام وتقديس الفنانين والشعراء والكتاب”، من خلال مواقف كثيرة، منها ظهور امرأة في حياة زوجها، ورأى أنها “يمكن أن توصله لطبقة الأغنياء الجدد”، ولكن الزوجة الشابة تنصحه بالابتعاد عن هذه المرأة، لأن مهمتها “ربط الفن في مصر برجال الأعمال.. حتى ينتهي بعد قليل التمرد عند الفنانين، ويخضعوا لمنطق العرض والطلب والفلوس… ضايقني أن يتحول هو لسلعة”. وجاءت فكرة الكتابة عزاء للزوجة وعلاجاً تسترد به وعيها وثقتها بالذات، وليس انتقاماً من الماضي، إذ تتساءل.. “لماذا إذن لا أخرج الحكاية فأتطهر وأرتاح”، وربما كانت كلمة “أتطهر” أكبر من السياق، لأن الزوجة كانت تريد أن تتصالح مع الماضي الذي لم يكن خطيئة إلا في حق شخصيتها وتأجيل أحلامها. ولكن بطلة الرواية بعد انفصالها عن زوجها وتصالحها مع الماضي انخرطت في علاقات مع أجانب في مصر وخارجها، وهو انقلاب مفاجئ لا تمهد له شخصيتها، ولا تربيتها المحافظة بصورة مقنعة فنياً، ولكنه جاء في الفصول الأخيرة كمحاولة للتحقق الإنساني والجسدي. القاهرة | رويترز