بعد أن انتهيت من قراءة «آخر المحظيات» اتصلت بكاتبة الرواية سعاد سليمان، هاتفها غير متاح، وددت لو أسألها إن كانت تقصد مغازلة السينما بهذا العمل؟! شخوصها تتحرك داخل أقدار درامية غير مستقرة على حال من خلال لقطات مرتبة وفق منهج بوهيمي. الكاتبة معنية طيلة الوقت بهدم منطقية «السبب والنتيجة» ومعادلة السرد مهمومة بعنصر مفاجأة الحدث. كان من الممكن أن تقدم سعاد العمل داخل محتوى تشكيلي عبر لوحات منفصلة متصلة تسعى للعصف الذهني، وتريح نفسها من تملق القارئ العادي، لكنها اختارت ألا تنحاز لمتلقٍ نخبوي وربما نجحت في ألا تفقده أيضا (!) «ورغم ذلك عاشت المريمية حياة زاخرة بألوان وأطياف من الرجال نادراً ما تجتمع معرفتهم بامرأة، رجال من مختلف الأعمار والأشكال والمهن، حتى الديانات، فبعد هروب الطبيب الهمام وقع في غرامها يهودي لم يمهله القدر أن يكمل قصة حبه….» كنت سأتهمها بالإخلاص لفن الحكاية وهو ما أجهد طرحها المغاير ولم يمكّنه من الظهور باستعلاء متخلصاً من كل قيود القص الردايكالي، وسأهنئها على البناء السيكولوجي المركب لأبطال العمل، وربما ألومها على فرد مساحة ل «زهرة» أخت البطلة وحين أتذكر لعنة السينما وأهمية دور «السنيدة» أصمت. لم تقع سعاد في فخ التحدث بلسان مثقف برجوازي يتكرر كراوٍ في أغلب أعمال جيلها، أغرتها شخصية «زينة» الفتاة البسيطة التي تمتلك شهادة (وعقلية) متوسطة، جعلتها تلتحق بالعمل كزوجة ل»رامي» ابن عمها الشاعر والدبلوماسي الذي اكتشفت خيانته بعد موته وهي تفتش في رسائل هاتفه وأوراق مكتبه. «رسمتك على وسادتي، ومرآة غرفة نومي، وباب حجرتي، وأكواب شرابي، وطفايات سجائري التي أخبئها، حتى لا أدخن وأنفض سيجارتي على وجهك، وأعيدها من مكمنها حين تهجرني متخلصا بنذالة مني ومن مشاعري وذكرياتي والأماكن التي جمعتنا، وتتركني للحسرة، أتلذذ بحرق ملامحك بهدوء وعلى مهل ثم أبكيك أيها المشوّه». سخرت الكاتبة من القارئ وهي تتعمد تكوين صورة للشخصية ومحوها بصورة مغايرة، هدف السخرية كان للإمتاع، وغايته اعتراف بلغز النفس البشرية وتقلباتها وتجددها. لم تتعامل معها على أنها التمثال المتجمد وإنما قطعة صلصال من الممكن إعادة تصميمها وفقاً للظرف والمكان والزمان والبيئة المحيطة، فعلها من قبل ديفيد هيربرت لورانس في روايته الخالدة «عشيق الليدي تشاترلي» واستحق التصفيق. كنت سأشكر سعاد على أنها نقلت صورة ليست أصلية يصر المثقف على أن يراه عليها الناس في الواقع، ويقوم بتزويرها في رواياته أو أعماله الفنية وهو يقدم لهم صورته الأصلية التي يعيش بها في السر، لفتتني مهارة البناء الازدواجي في شخصية «رامي» وهو يخلع ثوب الخيال ويحتفظ به ليرتديه حين يفرغ من الحقيقة، وسمحت لي أن أتعاطف معه في النهاية ولا أسامحه في نفس الوقت. «آخر المحظيات» هو العمل الرابع للكاتبة المصرية سعاد سليمان صدر مؤخراً عن دار الكتاب العربي ببيروت، بعد أن بدأت النشر عام 2001 بمجموعتها القصصية «هكذا ببساطة» ثم مجموعتها «الراقص» في 2005 إضافة إلى روايتها «غير المباح» عام 2007.