الدكاترة الوهميون ليسوا نشازاً، ولا غرابة في انتشارهم، في انعكاسٍ لقيم تتفشى في المجتمع، فيعبرون عنها أو يستفيدون منها. بحسب قوائم حاملي الشهادات الوهمية، فإنها تشمل دعاة، وأئمة، وإعلاميين، وأعضاء شورى، وتربويين، ومدربين نفسيين، ومطورين للذات من الجنسين، مما يعني أن المجتمع يُعنى بشأن «الدال»، ويحتفي به، ويثق فيه، مهما كانت مهاراته أو سلوكياته، وقد تعمقت هذه الفكرة حتى إن معظم المناصب كانت تذهب للدكاترة، بعيداً عن براعتهم في تخصصهم، ومَن لم يكن «دكتوراً» تقاصرت حظوظه في الترقي والعلو. استجداء شهادة الدكتوراة، والكذب، والغش في الحصول عليها، ومن ثم القيام بأدوار توجيهية وتربوية ودعوية، هو فساد لا يجعل لأي قيمة أخلاقية مهما صغرت اعتباراً، ليكون الزيف هو الحقيقة، ولتختلط الأمور على الأجيال الناشئة، فلا يعرفون معنى القيمة الأصلية، ولا تكون لهم بوصلة يسترشدون بها، خصوصاً وهم يجدون الكذب الطريق المؤدي إلى النجاح والشهرة والقيمة الاعتبارية. ليست القضية مجرد أشخاص «كذَّابين وخائنين» بل هي تشويه كامل للمجتمع مع استمرار الصمت عن هذه الماسأة من جميع الجوانب، سواء من التعليم العالي أو التربية أو الصحة وغيرها، والإجراء الصارم الوحيد هو خطاب من المرحوم الأمير نايف بن عبدالعزيز، الذي حذر من هذه الشهادات. الخيبة الكبرى كانت أمس؛ إذ كان من المفترض أن يناقش مجلس الشورى مشروع تجريم الشهادات الوهمية، إلا أنه لم يفعل رغم أهمية الموضوع وحيويته، ورغم أن التهم والشبهات تدور حول عدد من أعضائه والعاملين معه. الحرب الشرسة ضد الوهميين تُحدث فرقاً كبيراً في المجتمع، وإن لم تبادر المؤسسات الاعتبارية بتسجيل موقفها، فإنها ستجد نفسها في زاوية ضيقة ومخجلة قريبا.