توطئة لمقال اليوم أشرت إلى قوائم حاملي شهادات الدكتوراة الموهومين بالمجد في مقالي السابق «العشاء الأخير .. المشاهير ومعالي الوزير» أعني الذين حصلوا على شهادات بمبالغ مالية من بعض أرصفة الجامعات الوهمية أو عبر البريد! هل يمكننا أن نوجه هذا السؤال البريء لكل من يحمل الدكتوراة: هل شهادتك وهمية؟ بالتأكيد.. لا يمكننا ذلك؛ لأننا لا نملك كأفراد حق السؤال بهذه الطريقة.. وإن ساورنا الشك وانتابتنا الريبة حين نقابل أحداً من أولئك الموهومين بالدال -حتى وإن تيقنا من وهمية أو تزوير تلك الدكتوراة التي يكتبها بعضهم «الدكتوراة»- يقول صاحب الهاشتاق التويتري «هلكوني» الدكتور «موافق الرويلي» -عضو مجلس الشورى- في لقاء تليفزيوني: إن تلك الشهادات وهمية ولا يحق لنا أن نسميها مزورة من الناحية القانونية -رغم أن مؤدى الأمرين واحد في نظري- فهو يرى أن تسمى الأشياء بأسمائها، وقد بادر الرويلي مع آخرين بالتصدي لهذا الأمر -من خلال إثارته إعلامياً وعبر تويتر- وقدم الرويلي «مشروع محاربة الشهادات الوهمية» لمجلس الشورى معداً الأمر شأناً وطنياً مهماً يتطلب معالجة حقيقية ووضع أنظمة واضحة للتصدي للظاهرة الخطيرة، ويقول: إن الأمر ليس في شهادات الدكتوراة بل تعدى الوهم إلى شهادتي الماجستير والبكالوريوس، وأن كثيراً ممن حمل بعضا من تلك الشهادات موجودون في قيادة بعض الشركات الكبرى، ويكثرون في مجال الإعلام بشكل ملفت، وينتشرون في بعض الوزارات وحتى في مجلس الشورى… تبع هاشتاق «هلكوني» مغردون وإعلاميون، وتناولته المواقع الإلكترونية بأساليب مختلفة ساهمت في انتشاره، وهو إن لم يحقق علاجاً رسميا للظاهرة إلا أنه أزال ما كان يحول بين رؤية المجتمع لذلك الوهم، حيث بادر بعضهم بتمزيق الدكتوراة الوهمية أو إحراقها -رغم أن بعضهم لا يزال يستخدم اللقب- فعادة ما تلتصق بعض الألقاب بأصحابها التصاقاً شديداً يقف أمامه معالي الوزير عبدالله الربيعة وفريقه بمباضعهم عاجزين! تم قبل سنوات فصل أكثر من سبعين أستاذة متعاقدة من كليات البنات قبل ضمها للجامعات بسبب شهاداتهن المزورة، ومنعت وزارة التربية والتعليم منسوبيها من استخدام الألقاب للشهادات التي لم تعترف بها وزارة التعليم العالي، وقد حققت الاختبارات التي تجريها هيئة التخصصات الطبية في الحد من الشهادات المزورة؛ لأن التحقق من صحة الشهادات أمر ضروري وملح، ولكم أن تتخيلوا حال مريض أو مصاب في غرفة العمليات بين يدي طبيب مزيف، أو مسافر على طائرة يقودها طيار لم يكمل تدريبه! إن التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة منوط بعدد من الجهات -وهو لا يعفي وزارات الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص والمجتمع من التعاون- بسبب آثارها السيئة وأخطارها المدمرة على المدى البعيد، ومن تلك الجهات: – وزارة التعليم العالي: دورها أساسي بحكم إشرافها على التعليم العالي بجميع تخصصاته ومستوياته داخلياً وخارجياً فهي القادرة على وضع النظام الذي يسد جميع الثغرات التي يتسلل منها الموهومون والجامعات الوهمية ومكاتبها وسماسرتها من المحليين والوافدين. – وزارتا الخدمة المدنية والعمل: لعلاقتهما بالتوظيف في القطاعين العام والخاص. – الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد: يدخل الكشف عن هذا العبث ضمن اختصاصاتها، وهي مطالبة بتقصي الحقائق وحث الجهات ذات الاختصاص للوقوف في وجه الظاهرة. إن تلك الجامعات الوهمية تتجاوز على أنظمة الدولة فتقوم بتسويق شهاداتها دون ترخيص، وهو أمر يفضي إلى تزوير صريح، وكسب غير مشروع، واحتيال على المواطنين وتغرير بهم، وبث قيم سيئة تستهدف بنية المجتمع، وهي ممارسة جريمة بحق الوطن، وتجب محاسبة من حصل على مكتسبات وظيفية على أساس من تلك الشهادات الوهمية، ونزع الصفة الاعتبارية التي حصل عليها من خلالها؛ لأن ردة فعل المجتمع تجاه ما هو وهمي لها تأثير كبير على القناعات إذ يعتقد بعضهم أن الدكتوراة تفتح أبواباً كثيرة للولوج منها والوصول إلى مراكز متقدمة، وأن منافسة حاملي الشهادات الوهمية غير القادرين على العطاء والإنتاج -ففاقد الشيء لا يعطيه- فيه تضييع فرصة على من تعلم تعليماً حقيقياً نافعاً، فعلى أولئك الموهومين أن ينكفئوا، ويتركوا المجال للمؤهلين القادرين على العطاء. يوجه الرويلي لومه لبعض الأساتذة السعوديين الذين أشرفوا أو يشرفون على رسائل علمية في الجامعات الوهمية، ولكنني لا أكتفي باللوم بل أسميهم سماسرة الوهم! وقفة: أرى أن يتم ربط المؤهل بالهوية الوطنية مع إمكانية ظهوره للجهات ذات العلاقة من خلال بوابة وزارة الداخلية.