تونس البداية، بداية الانتفاضة العربية، أول شعار ينادي بإسقاط النظام باسم الشعب، ثورة أطلقها البوعزيزي، لم يطلقها حزب أو نقابة أو حركة طلابية أو عمالية. أطلقتها عفوية الشعب وحسه السياسي العالي وفهمه العميق للملفات السياسية في بلده والمنطقة والعالم. الرئيس زين العابدين بن علي هرب مبكرا جدا، لقد فهم شعبه بصدق وقالها صراحة وسيسجلها التاريخ له. لقد حقن الدماء بخروجه السريع الذي لم يكن منسقا ومرتبطا مع أحد أو مع دولة في الخارج، فبعد أن قرر الخروج وصعد الطائرة راح يفتش عن مكان ينزل فيه. إن من يراجع التاريخ السياسي لهذا البلد يلاحظ أن القيادة والشعب في تونس تعاملوا مع الاستعمار الفرنسي بذكاء أيضا، لم يخرج المستعمرون من بلادهم بالقتال بل بالحوار، واستلم الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة السلطة فاتحا المجال مبكرا جدا أمام الشعب ليمارس حرياته وحقوقه بمعدل معقول نسبيا. وبعدها استلم زين العابدين بن علي السلطة بانقلاب أبيض. ومع مرور السنين استأثرت زوجته وحاشيته بالسلطة والمنافع. واليوم فإنك تلاحظ بسهولة أن حزب النهضة أو الإخوان المسلمين في تونس أيضا لم يخرجوا عن الثقافة التونسية في العمل السياسي إلا قليلا. على الناعم يستخدمون القفازات البيضاء في عملياتهم السياسية الحساسة كالطبيب المعاصر.. طوبى لتونس ولا للتجربة الليبية والسورية. لا للدماء التي تراق بسبب ومن دون سبب ولا لفرض الدساتير والقوانين على المواطنين، لا لكل ما يفرق ونعم لكل ما يجمع ويحسن ويطور البلاد.