الشرق – بيروت الدوحة دخلت من بوابة دعم المقاومة خلال حرب يوليو 2006 نصرالله أعطى السبق لمراسلي الجزيرة لمقابلته والدخول إلى خطوط التماس بعد الربيع العربي دعمت قطر الشيخ الأسير وأشعلت الفتنة الطائفية لا يُشبه دور دولة قطر غيرها من الدول العربية في لبنان، الموقف منها محكومٌ بأحوال السياسة الإقليمية. فالدوحة بعد أن كانت صديقة الأمس أصبحت عدو اليوم بالنسبة إلى كثيرين. ورغم صداقاتها المتعددة مع أقطاب السياسة اللبنانيين، فإن كُثراً يرون فيها عامل تفجير يُهدد الاستقرار اللبناني. يتحدث السياسيون أنفسهم، الذين وصفوها بأنها الشريك الأول لانتصار حرب تموز، عن دور مشبوه تلعبه الدولة صاحبة أغنى مخزون غاز في العالم، هنا غيض من فيض ما يُعزز الفرضية المنقولة، مسنوداً بسرد الخلفية التاريخية للدور القطري في بلاد الأرز. الدخول من بوابة حزب الله لقد دخلت دولة قطر إلى المعادلة اللبنانية من بوابة حرب يوليو في عام 2006. آنذاك، لم يقتصر دورها على الدعم المعنوي أو وقف عند حدوده، بل تعدّاه دولياً ليشكّل قوة ضاغطة ساهمت في إنضاج القرار 1701 الذي أوقف العدوان الإسرائيلي على الشعب اللبناني. كما أن قطر هي أول من ضربت الحصار الاقتصادي الذي كانت تفرضه إسرائيل على لبنان، عندما حطت طائرة قطرية أثناء العدوان في مطار بيروت الدولي خارقة الحصار الجوي المفروض. لم تنته المسألة هنا. استثمرت قطر إنجازها لتُفاقم دورها إنمائياً، فدخلت بوجوه عدة. استُقبل أمير قطر في الجنوب اللبناني استقبال الفاتحين. فُرش السجّاد الأحمر ل «البطل» القادم وأمطرت السماء عليه ورداً وأرزاً. أما اللوحات الإعلانية، فتوحّدت فيها صورة «صاحب الخير الأوحد» مذيّلة بعبارة: شكراً قطر. وحتى اليوم، فإن زائر الجنوب اللبناني يمكنه يرى أن كثرة اللوحات الرخامية التذكارية التي تحمل الشكر لقطر وأميرها. لقد قامت قطر بإعمار معظم قرى جنوب لبنان المدمرة جراء الحرب، فأعادت بناء أكثر من عشرة آلاف وحدة سكنية، وعمّرت المدارس والمستشفيات ودور العبادة، فضلاً عن إعادة تأهيل البنية التحتية لمنطقة الجنوب بأكملها. حجم المشروعات وأعدادها لم تكن مسبوقة باعتراف كافة الأطراف اللبنانية. ليس هذا فحسب، أفردت قناة الجزيرة القطرية هواءها لنقل أحداث لبنان. لقد كانت آنذاك محطة المقاومة دون منازع، حتى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله نفسه أعطى السبق لمراسليها لمقابلته والدخول إلى خطوط التماس الأولى والخنادق التي يستخدمها المقاومون. ببساطة، لقد انشغل اللبنانيون بأجمعهم بالحديث عن خير قطر الذي أُغدق عليهم من حيث لا يحتسبون، فسارع السياسيون اللبنانيون إلى خطب ودّها ولم تنته المسألة هنا، جاءت أحداث مايو عام 2008. يومها انتشر مقاتلو حزب الله في بيروت. ودارت الاشتباكات المتنقلة منذرة بحرب أهلية لاحت تباشيرها بقوّة. انقسم لبنان لتبدأ أزمة مفتوحة. فأطلّت قطر برأسها مجدداً وكان اتفاق الدوحة الذي أعاد جمع الطرفين المتخاصمين. بدت قطر يومها كالشقيق الأكبر للبنانيين المنقسمين دوماً على أنفسهم. من النقيض إلى النقيض العلاقة الأخوية تحوّلت إلى سمٍّ بعسل منذ اندلاع أحداث الربيع العربي. وتحديداً عندما وصلت الثورة إلى الدولة الأكثر تأثيراً في لبنان سوريا. هنا بدأ مسارٌ جديد من العلاقة. أُعيد خلط الأوراق مجدداً، فاعتبر كُثر أنّ القناع قد سقط. تحوّل الدور القطري من صمّام أمان، بالنسبة إلى كثيرين، إلى فتيل تفجير. فكان الشيخ أحمد الأسير. رجل الدين هذا حمل الراية القطرية لمواجهة حزب الله. نكأ جراح الفتنة الطائفية بين الطائفة السنية والشيعية غير مرّة، فأُزهقت بعض الدماء. والشيخ الأسير، بحسب ما تنقله التقارير الأمنية، يتلقى مبالغ مالية شهرية من دولة قطر. كما تكشف مصادر أمنية أن أئمة وخطباء المساجد ومدرّسي التربية الدينية الإسلامية أُبلّغوا من رئيس دائرة أوقاف طرابلس الشيخ حسام سباط «قرار دولة قطر دفع رواتب كل العاملين في الحقل الديني في طرابلس وعكار والشمال وبيروت شهرياً لمدى العمر»، علماً أن الدوحة موّلت تأسيس إذاعة «طريق الارتقاء» السلفية في طرابلس، التي يُشرف عليها الشيخ خالد زعرور. عشرة ملايين دولار لعلماء طرابلس في سياق تمددها وتغلغلها في النطاق الشمالي، تؤكد المصادر الأمنية أن قطر خصصت مبلغ عشرة ملايين دولار لهيئة العلماء المسلمين في الشمال، ورغم أن عددهم يبلغ نحو مائة رجل دين، إلا أنها اشترطت اقتطاع مبلغ مليون ونصف المليون للشيخ أحمد الأسير لوحده. وفي السياق نفسه، تذكِّر المصادر بقضية توقيف المتهم بالإرهاب شادي المولوي، كاشفة أنّ المولوي كان صلة الوصل بين قطَريّ تبرّع بمبلغ ماليّ إلى الثوّار في سوريا، وتتحدث عن صلة بين من تسلّم هذا المبلغ وأوصله للثوّار وبين قطر، باعتبار أنّ المولوي اعترف بشراء السلاح ونقله إلى سوريا، واعترف أيضاً بواقعة لقائه الموقوف الأردني عبدالملك الممول المالي لعناصر «القاعدة» في لبنان الذي طلب منه توزيع مبالغ ماليّة بتمويل من القطري عبدالعزيز العطية الذي تمّ توقيفه. وعلى خلفية هذا التوقيف، أقامت قطر الدنيا ولم تُقعدها مهددة بطرد جميع اللبنانيين من بلادها إن لم يُخلَ سبيل مواطنها الموقوف. تقسيم 14 مارس في موازاة ذلك، تتحدث مصادر واسعة الاطلاع ل «الشرق» عن أنّ رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع يُعد رجل قطر القوي في لبنان. إذ تؤكد أن هناك مخصصات مالية شهرية يتلقّاها الأخير من قطر مقابل التماهي في السياسة التي تسعى قطر إلى إسقاطها. وفي هذا السياق، يتردد كثيراً أن هناك تعليمات وصلت إلى جعجع تطلب منه وجوب الابتعاد عن سعد الحريري. تُرسم اليوم معالم جديدة للصراع الدائر داخلياً. ولاسيما بعدما تحوّل الدور القطري في لبنان من عامل مساعد ومهدئ إلى فتيل صاعق يُهدد بالتفجير في أي لحظة. هكذا ينقسم اللبنانيون مجدداً، فيما تلعب قطر الدور الأسوأ في زيادة هذا الانقسام. أمير قطر وزوجته خلال زيارتهما لبنان قبل عامين أحمد الأسير حليف قطر الجديد في لبنان (الشرق – خاص)