لا شك في النتائج الإيجابيَّة لما حقَّقته بلادنا أمنياً بمواجهة الفئات الضَّالة بضربات استباقيَّة، وبإفشال مخطَّطاتها وعمليَّاتها، وما أنجزته في التوعية والتشريع والتنظيم لمقاومة الفكر المتطرِّف الحاضن لتلك الفئات، جهود فاعلة ومباركة استغرقت ما زاد على عقد من السنوات المنصرمة، حالت دون خطط إرهابيَّة استهدفت الوطن في منجزاته ومواطنيه والمقيمين فيه وممتلكاتهم، وقضت تقريباً على محاضن الفكر المتطرِّف في مدارسنا وجامعاتنا وجوامعنا، وما يلحق بها من معسكرات فكريَّة وتدريبيَّة، جهود ألجمت أفواه دعاة الفكر المتطرِّف في محاضنه ومنابره، وأخرست منظِّريه وحطَّمت أقلامهم وأشرطتهم السمعيَّة، وأحرقت مطويَّاتهم وكتيِّباتهم، وجفَّفت مصادر تمويلهم بحسن الظنّ أو لسوء الهدف، جهود سارت مسار المناصحة للمغرَّر بهم دون أن يقع منهم فعل أو جرم، ومسار المحاكمة، فالمحاسبة لمن تجاوزت أدوارهم لعمليات إرهابيَّة، تلك الجهود الفاعلة المباركة أعادت الأمن والطمأنينة لنفوس المواطنين والمقيمين، وخفَّفت حالات التوتر والقلق والتخوُّف من نفوس الآباء والأمهات على أبنائهم خشية التأثير عليهم، فانحرافهم نحو هذا الفكر المتطرِّف، وانجرافهم بالتغرير بهم في مسارات الفئة الضَّالة ووقوعهم في كمائنها ومخطَّطاتها، جهود شهد لها الواقع والراصد والمتابع داخل الوطن وخارجه من الأفراد والدول والهيئات الدوليَّة. ما حُقِّق وما أنجز لا شكَّ فيه إلاَّ أنَّه تعاودني حالات من التوجُّس والقلق والتخوُّف قد مررت بها راصداً لنشأة هذا الفكر المتطرِّف فظهوره واشتداده وانتشاره قبل عقودٍ ثلاثة، راصداً له في محاضنه ومنابره وأدواته وإجراءاته وتمويله حينما كان المجتمع يباركها بحسن نيَّة وبسوئها وبتغرير وبتخطيط من بعض أفراده وشرائحه، وكغيري حذَّرتُ حينذاك من ذلك فيما كتبته مقالات وشعراً وتقارير إشرافيَّة يتطَّلبها آنذاك عملي في الميدان التعليميِّ مشرفاً تربويّاً، وحتَّى كتابة مقالتي هذه متوجِّساً ومتخوِّفاً مما رصدته أخيراً بالآتي: ما زال معلِّمون في مدارس متوسِّطة وثانويَّة غير ملتزمين في العمل في نشاطات مواد تخصًّصاتهم كما تقضي بذلك الأنظمة الوزاريَّة القديمة والمستجدَّة، تذكيراً بها وتحذيراً من مخالفتها، معلِّمون غير مكلَّفين رسميّاً بريادة النشاط المدرسيِّ ومن غير المختصِّين بالتربية الإسلاميَّة يعملون في أنشطة التوعية الإسلاميَّة وفي معسكراتها المدرسيَّة والخارجيَّة وفي رحلاتها الميدانيَّة، بل ويسموُّن مجموعات طلاَّبهم بما توحي بأهداف وتوجُّهات تثير التوجُّس والتخوُّف كجمعيَّة النشامى مثلاً، يتنصَّل أولئك من نشاطات مواد تدريسهم ويجدون مباركة مديري مدارسهم وإدارات التربية والتعليم من خلال مسؤوليها أو المشرفين على التوعية الإسلاميَّة فيها، متمثِّلاً ذلك برعاية نشاطاتهم حضوراً ومشاركة وبعبارات الشكر والتقدير وبشهاداتهم، وهم يعلمون أنَّهم ليسوا من معلِّمي التربية الإسلاميَّة ولا من روَّاد النشاط المكلَّفين رسميّاً، فهل غفل أولئك عن الأنظمة الوزاريَّة، أو أنَّهم يعترضون عليها عمليّاً، أو يحملون نفس التوجُّهات أو يسعون نحو ذات الأهداف؟!!. فلعلَّ وزارة التربية والتعليم تقوِّم ذلك لتعرف أي الأسباب يحرك ذلك، كذلك ما زال معلِّمون في مدارسنا غير ملتزمين بالحديث بمناسبة اليوم الوطني في اليوم الدراسيِّ المخصَّص للاحتفال به في بدايات حصصهم لذلك اليوم، بل لا يشعر زائرو مدارسهم باليوم الوطني في يومه من خلال مظاهر الاحتفاء به. فكر متطرِّف غرَّر بفئات من شبابنا، وجرَّ لعمليَّات إرهابيَّة داخليَّة وخارجيَّة تحت مظلَّة الجهاد والتكفير، فكر له منظِّروه ومشايخه ودعاته ومحاضنه وكتَّاب منشوراته ومطويَّاته وكتيِّباته، ومعدِّو أشرطته السمعيَّة ومسوِّقوها، وعمليَّات إرهابيَّة استهدفت الوطن في منشآته ومنجزاته والمواطنين والمقيمين في أرواحهم وممتلكاتهم لها مخطِّطوها وموفِّرو أسلحتها ومنفِّذوها ومموِّلوها، أين كلَّ أولئك من المحاكمة والمحاسبة ؟!!؛ لذلك فإنَّ أفراداً من خليَّة الدندني ممَّن أقرُّوا بما نسب إليه من تهم أثناء مرافعاتهم قبل شهرين دافعين مسؤوليَّتها لمن أوصلهم إلى ذلك، ممَّن كانت لهم أدوار في ذلك جعلتهم بحسب تعبيرهم أدوات تنفيذ ليس إلاَّ، يتساءلون عنهم وكيف انسلُّوا من تبعات أدوارهم ليظهر بعضهم نجوماً في قنوات فضائيَّة، وليتسلَّل بعضهم إلى لجان المناصحة لمن وقع في قبضة الجهات الأمنيَّة؟!. أولئك الذين وقعوا في أيدي رجال الأمن وقدِّموا للمحاكمات يسألون القضاة والوطن قائلين: أين أولئك المعلِّمون ومديرو المدارس ومسؤولو إدارات التعليم، حيث تلقينا منهم دروس الفكر المتطرِّف في مدارسنا وتحت أنظار مديريها ومسؤولي إدارات التربية والتعليم ومديريها وحفزهم وتشجيعهم ومشاركتهم لمعسكراتنا ورعايتهم لها حضوراً وتوزيعاً للأشرطة والمنشورات والمطويّات وللجوائز المحفِّزة على ذلك؟!، هل يعفى ذلك المعلِّم الذي كان يحفزنا بكرَّاسات واجباتنا المنزليَّة بعباراته: حيَّاك الله أيُّها البطل المجاهد، أحسنت يا مجاهد ؟!، وتمرُّ عباراته على مدير المدرسة وعلى مشرفين تربويِِّين زائرين وعلى مسؤول من إدارة التعليم ويوقِّعون إلى جانبها شكراً للمعلِّم وحفزاً للطالب. أوجِّه نفس الأسئلة وأزيدها بسؤالي التالي: هل يعفى أولئك بتقادم ذلك أو بتقاعدهم ؟!، فآباء وأمَّهات يعرفونهم بأسمائهم وأعمالهم وتوجُّهاتهم ويدعون عليهم بعدما وقع أبناؤهم في سوء أعمالهم وأدوارهم، وأشرتُ إليهم بدراسة موسَّعة بعنوان: أدوار في التطرُّف الفكري والتشدُّد الديني ومعه وفي مواجهته عام 1425ه زوَّدت بها وزارة التربية والتعليم، ووزارة الداخليَّة بناءً على مطالبة الأولى وطلب الثانية، وما نخشاه الآن أنَّ عدم محاسبة أولئك وتحميلهم تبعات أعمالهم أو التقصير في مسؤوليَّاتهم سيدفع غيرهم بعد أن تبدَّلت الأدوار والمقاعد للتربويِّين في مدارسنا وفي إداراتها التعليميَّة إلى الانزلاق لما انزلق إليه سابقوهم، فلو أنَّ الوطن حاسب أولئك لكان ذلك تنبيهاً لمن جاؤوا بعدهم ألاَّ يعملوا أو يتغافلوا أو يُستغفلوا في ذلك، وأن يكونوا في مجال الأمن الفكريِّ فاعلين متفاعلين مع الجهود الفاعلة للوطن، فلعلَّ مراجعة لذلك تقتضي ذلك.