سأنظرُ يا هواءُ لأروعِ لقطةٍ وأبدعِ لوحةٍ لا يصوِّرُها غيرُ (المصوّر) وليس يرسمها سوى (العظيم). سأمدّ يد القلب في حوض زهورها، لا لأقتلها حين أقطفها، بل لأحمل حصتي من عطر اليقين أرشُّها على ظل قلب المهاجر دائماً والمعذّب بالرحيل من قمرٍ إلى شجرٍ ومن شجرٍ إلى قمرٍ يفتش فيه عن لغز (للرَّمَقْ) إلى (شَرْجِ) البداية والمتاهة والضياع. فيا أيها القلب سلاماً على ما تبقى من جنونك، سلاماً على العقل الذي سيولد بعد قليل من قلبك الذي لا يعقلُ، وسلاماً على نومك الآن، لن أصحيك ولن أفزعك. إليك هذا العبير السماويّ، تنشّقْ نفحة منه لتفيق من وهم التنقل والرحيل سدىً، لترجع وتعيد خيلك إلى مياه النبع، إنّ درب السباق طويلٌ يضيق بالراكضين إلى الشمال ولا يوسِّعه الصهيلُ مهما علا، فالامتحانُ ضرورة لاختبار نبض قلوبنا وقدرة (الخفقات) على شق الطريق وسحق الشوك في عرصاتها بعزم العبور صوب الضفة الأخرى، لنعرف أنّ «الله أجمل من طريق الله» وأنّ كل دروب الله واسعةٌ والرحمن أوسع من كل دروبه ومن كلّ شيء، وأننا ضعنا حين ضيعناه ولم يتخلّ عنا لحظة فهو القريبُ إذا أردنا قربه، وهو القريبُ إن ابتعدنا وغبنا في ضباب النزوات واللحظات المريضة بِ(الهوى)، أنّى يميلُ اتّجهنا ومالتِ الخطوات، لمْ تنتبهْ لهفواتها، ولم ننتبه معها لننظرَ نحونا: كمْ نشبه الشحاذين في وحل الموانئ عندما نتسول (المتعة) وهي ليست إلا (متاعاً) قليلاً يفيض بوهم الغرور. لكنَّ السماءَ كبيرةٌ والسرّ أكبرُ مِنْ أنْ يفك غموضه (طينٌ). من ماء مهينٍ وُلدنا، وماءٌ كريمٌ يهدي (موتنا) إكسير الحياة ويرشدنا إلى صفاء النبع، ينبت في حقول شرودنا قمح التذكّر بأنَّ الله أكبرُ، الله أعدلُ والله أرحمُ والله أجملُ ممّا سواه، ممّا عداه. «يأخذني الجمالُ إلى الجميل».