أتذكره ، أبتهج لمرآه كثيرا .. يأخذني بين ذراعيه ، أتسلق صهوة كتفيه .! فأطل على الدنيا من فوق ، أطاول كل ( رواشين ) الحارة، وأرد تحايا الحوريات .! وطوال الدرب من البيت إلى دكان في السوق يكلمني ، تشغلني عنه (عمامته) ، أكوّرها وأدّورها .. وأشد ذؤابتها حتى تنفرط وتتدلىّ .! ويضحك من بالسوق على المشهد.. وأنا أيضا أضحك معهم .! أشياء كثيرة ما كانت تهزمني ، حتى سقطت من سقف البيت عمامته .! أخذوه إلى حيث يغادر كل الناس . ما كان يدور بخلدي هذا التوقيت ، ولا هذا الميعاد .! وكبرت قليلا لكن ، لم تأبه بي الأيام .. ولا الأعياد .! ............ تسألني أنشودة المطر ، من سرق الدّهشة من أحداق الناس؟! من علمّنا أن نكتم فرحتنا ؟! من صادر عفويتنا .. حتى أضحى التعبير عن الأشواق خطيئة ؟! وهل تتميز غيظا هذي الأرض ، إن نحن ضحكنا للشمس ؟! هل غير مجراه النهر ، أو ضاق البحر بوجه (البدر) في منتصف الشهر ؟1 فلماذا يقصينا من لا نمشي في فلكه ؟! يقول المثل السائر يا بنتي : من يغضب من غير سبب فليشرب هذا البحر !! ويذكرّني ، سؤالك المدبب ، بجار تضيق (عيناه) ، كلما لاحت له ابتسامة سعيد مقبل على الحياة .. قال ، وقد رآني أداعب ( وحدي ) طيف ألمّ : " كعادتك ، هائم أنت على وجهك " .! " ليس وجهي وحده .. أنا يا سيدي المختلف هائم على كلي بكليّ ".! " ولماذا قلت أنني ( مختلف ).. ألأنني أزن الأمور" ؟! " أنا أيضا أزن الأمور ، لكن على طريقتي ".! " أي ميزان هذا " ؟! " ميزاني أنا .. و ( اللي ما هو عاجبه يوزن برّه) .!! إنه ليس من (العقل) في شيء أن تعتقل قلبك في هذا الصندوق الأسود .. و تسدل بينك وبين روحك سدا وحجابا .. تخاصم الشمس ، وتعرض عن القمر، وترتاب بالبراءة .! يا صاحبي المختلف " تمتع بالصبح مادمت فيه .. لا تخف أن يزول حتى يزولا " فإن أبيت فليس من (العدل) أن تكره المقبلين على الحياة على ( الحداد ) ، ولبس السواد ، وتقطع ( كهربة الأنفس ومويتها ) عن البلاد والعباد .! إننا نعيش بقلوبنا .. ونموت من أنوفنا .! أعرف أنك تشك حتى بثوبك الذي ترتديه .. وترتاب بالمشاعر .. وتحشد لمواجهتها مفردات تدخل فيها من يخالفك (دوائر) الطيش والنزق وعدم الرشد .! صدقني هذا رأيك ، ربما يؤلمني بعض الشيء لكنه رأيك أنت .! قال لي من أثق بأهليته : " لن تستطيع أن تعبّر للآخرين عن ( الأمل ) إذا لم تشعر أنت ( بالألم ) .. إن قوة التعبير نتيجة لصدق المشاعر ".! أنا لم أقل يوما أنني أفضل منك .. فالمفاضلة تكون في الصنف الواحد ، و(أنا) في كل الأحوال لست ( أنت ) .! وحتى لو كنا من تربة واحدة ، فإننا لا نستقي من نبع واحد .! إن هذه التربة يا سيدي تنتج فاكهة مختلف ألوانها .. فليس بالضرورة أن أشبهك وتشبهني .. وأتذوقك وتتذوقني .. وأهضمك وتهضمني .! ومادام الواحد منا يقبل نفسه ويتوافق معها .. فلن تضيق بنا هذه الأرض ، وسيمضي هذا الكون إلى غايته .. ومهما كثر تطاول الناس على الناس ، فلن يبقى في ذاكرة الناس إلا بعض الناس !!