الشاعر والباحث اللبناني أمين ألبرت الريحاني جمع قصائده الجديدة في ديوان صدر حديثاً عن دار النهار (بيروت) بعنوان «صهيل الأغاني الحائرة». وقدّم الريحاني لديوانه بما يشبه «البيان» الشعري، وفيه يقدم تجربته ورؤيته الى الشعر. وقسم الشاعر ديوانه الى أربعة أقسام هي: ظلال الأغاني، كلمات من بريق عينيك، كلمات تحرس المدينة، كلمات من ظلال شمس الصيف. وجاء في المقدمة وعنوانها «عند العتبة»: «الكتابة صراخ، ضحك، لذة، وجع، نشوة. الكتابة رحيل، سفر، ذهاب، إياب، توقف، عودة. الكتابة فعل، ممارسة، تأمّل، تواصل، تصادم، مواجهة. الكتابة حفر في صخر الكلمات، تلوين على خامة البياض، ومطاردة ألحان تسمعها خلف أصداء الصمت. الكتابة إيقاع بعد كل إيقاع، ورسم بعد كل رسم، وإزميل خلف كل إزميل. الكتابة... إما أن تكون بالسليقة أو لا تكون. إما أن تتم عفواً أو لا تتم. لا تكون الكتابة إن لم تأتِ طوعاً. الإمساك بالقلم لا يُفتعل. التمكّن من الكلمة لا يأتي تكلفاً لأن الكتابة تمارس كالجنس. الكتابة حارسة الهيكل. هي نبع الحقيقة، وكينونة الوجود. هي دعوة لمؤتمر العصافير، ونداء للترحال في العالم الداخلي، وأهبة للتجوال في معارج النفس. الكتابة تأويل مستدام لظواهر الأشياء وبواطنها، واستعداد لإعادة هندسة العالم. الكتابة اغتسال من أدران الألم، والكسل، والكآبة، والتعب، والشيخوخة، وهي شرود في ضوء الفتوّة، ووهج الحيوية، وطعم الغبطة، وهي إمعان في جاذبية الأثر الجليل، وتوغّل في دوار الملمح العابر. ليست الكتابة فعلاً. إنها حالة عارضة، تقصر أو تطول. وفي الحالين تفاجئك وتلحّ عليك. ليست الكتابة زيّاً. إنها فيض من دون تخطيط، وتدفق من دون وعي، أو انزلاق مستساغ الى مواطن الحب، حب العناق، عناق الأشياء والأحوال والتعبير عنها. ليست الكتابة عرفاً وتقليداً. إنها من طقوس العرّافين، من طقوس الماء، من إكسير المدار الكوني، مدار الكلمة. ليست الكتابة بلاغة من أجل البلاغة، ولا بياناً من أجل البيان. الكتابة معاناة بليغة، وصمت بليغ، وصهيل فصيح. الكتابة بيان الحياة، وبيان الروح، وبيان العقل، يغلّفه بيان اللغة. لست أدري لماذا ينتابني إحساس بأنني نشأت في كنف الكتابة، وترعرعت في بهو الكتاب، وشببت في حضرة الكلمة. منذ القدم والكتاب عندي حدث واحتفال. يولد النص كما يولد الطفل. نعطيه اسماً، نعطيه شكلاً، نحدد مزاياه، ونقدم له هوية تلازمه الى الأبد. نشهد لحضور النص بين القُراء، نشهد لتوغله بين الناس، نموت نحن ولا يموت (...). هو المقلب الآخر للفلسفة، والفلسفة تشريح للوجود. هي رسم خريطة العلاقات غير المنظورة بين الأشياء، بين الله والكون، بين العقل والإيمان، بين الظن واليقين، بين الزمان والمكان، بين الطبيعة وما وراء الطبيعة، بين الذات واللغة، بين الأنا والآخر (...)».