اعتدت في بلادي أن أتسلم كتبي المدرسية في الأسبوع الأول للدراسة، أذهب مع صديقاتي في شكل طابور مع مربية الصف إلى المستودع، وأقف معهن حيث يقفن صفاً منتظماً حتى تحصل كل طالبة منا على كتبها. رائحة الورق الجديد والحبر القوية يعج بها المستودع وبيوتنا حين نعود إليها بالكتب، فكما نعج بالفرح تعج برائحتها الجديدة، حتى الطالبة الباقية للإعادة تتسلم الكتب الجديدة معنا ومثلنا، وحتى الطالبة التي كانت لها أخت في العام الماضي في نفس المرحلة تتسلم كتبها الجديدة مثلنا، لا أتخيل أن أتسلم كتاباً استعمله غيري حتى وإن لم يتغير المنهج، عادت صديقتي التي أمضت ثماني سنوات في ألمانيا تحكي لي قصة الكتب المدرسية.. ألمانيا دولة لا تعاني من ضعف في الاقتصاد ولا ضعف في الموارد ولا من كثرة عدد السكان، ورغم ذلك تقول صديقتي إن الكتب المدرسية ملك للمدرسة، تتسلم ابنتي الكتب وعليها أسماء الطلاب الذين استفادوا منها خلال الثماني سنوات السابقة، فتسجل اسمها معهم، ويتم استرجاع المدرسة الكتب في نهاية العام سليمة كما تسلمناها، وإلا نطالب بتعويض! تخيلوا معي كم قيمة أخلاقية تضيفها فكرة هذا الكتاب المستعار، وكم مهارة تكتسبها الطالبة خلال العام من استخدامها كتاباً مستعاراً، وأكيد أن كتبهم مطبوعة بمواصفات الجودة، حيث تبقى مفتوحة على الطاولة دون أن يسندها الطالب بيده أو بكلتا يديه لأنه يحتاجها في الكتابة.. الجودة الشخصية لا يتعلمها الطالب بل يكتسبها مع الممارسة والمعطيات والعمل مع المعطيات والقدوة والمواقف التربوية وأدوات التعليم.