كثيراً ما أتحدث مع زملاء العمل حول الكتاب والقراءة، وكيف أن بعضاً من الناس يزينون مداخل منازلهم بالكتب والمكتبات، لكنها توضع للديكور المنزلي، وكم يفاخر التربويون بوجود المكتبات في مدارسهم، إلا أنّ هذا لا يعني أنها تُفعل من الطلاب أو المعلمين، بل من المثير للحزن أنها في بعض مدارسنا ركن منسي، وزاوية مظلمة، على رغم احتوائها لعشرات الكتب التي تنير الظلام لقرائها، وأعد وضعها داخل مركز المصادر بالمدارس من الأخطاء الذي خنقها على رغم كونها أحد مصادر المعرفة بلا شك، لأنها أهملت، فكيف لنا أن نتحدث عن جيل قارئ، سيُقبل على رفوف الكتب وزيارة معارض الكتاب؟ ونحن هذه الأيام نشهد افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب الذي فتح أبوابه الأسبوع الماضي. تجاذبت أطراف الحديث مع صديق صدوق حول هموم الكتاب والقراءة والمطالعة والمكتبة المدرسية، وكان من ضمن ما قال: إن الكتاب في زمن انتشار التلفاز والانترنت والحاسوب سيؤثّر على إقبال الكثيرين على قراءة الكتب، بل الكتاب انتهى، فقلت له مهما كان من انتشار «الانترنت» وما يقال بأنه يُغني عن الكتاب فلا أظن بأن أحدنا سيترك الكتاب بكل ما له من خصوصية في تقليب أوراقه ورائحة صفحاته والاحتفاظ به، فهو لا يعد بديلاً عن الكتاب، وأتذكر قول أحد العقلاء: «صحبت الناس فملوني ومللتهم، وصحبت الكتاب فما مللته ولا ملني». لكن ما أسباب عزوف أبنائنا وطلابنا عن القراءة، وما سر كراهيتهم للكتاب، الذي وصفه المتنبي بأنه «خير جليس في الزمان كتاب»؟ فهل يعود العزوف عن القراءة إلى أسباب أسرية أم مدرسية، أم بسبب تعدد بدائل المعرفة، أم أن زمن القراءة والكتاب ولى ولم يعد جاذباً كما كان جيل الأولين يعشقون الكتاب والقراءة ويجدون معها متعة الوقت والفائدة؟ حقيقة أنا لا أريد الخوض في أسباب العزوف، وإن كنت أعلم بأن الحديث عتها مناسب هنا وسيطول، إلا أن الأهم لدي أن تنظم الجهود للمؤسسات التربوية وعلى رأسها «المدرسة»، لحثّ وتشجيع الطلاب والأبناء على المطالعة، واستثمار الأنشطة اللاصفيّة في تنمية هواية القراءة بما يمكنها من تلبية حاجات وميول ورغبات الطلبة على اختلاف ميولهم، فعندما يدرك العاملون في المدارس بأنه يمكن صقل شخصيات طلابهم، ويكونون قادرين على مواجهة حياتهم الخارجية بثقة وقدرة على الاتصال بالآخرين من خلال القراءة، عند ذلك سيفكرون في كل الطرق التي تكفل لهم الاضطلاع بالدور تجاه الكتاب، ومكتبة المدرسة، والقراءة والأنشطة والبرامج متعددة، من خلال المسابقات وزيارات معارض الكتاب، وتشجيع الاستفادة من مكتبة المدرسة وتعهدها بالزيارة، فكم هو يصعب على نفوسنا ألا ندرك أهميّة القراءة ونحن أمة «اقرأ»، أوّل آية نزلت على نبينا محمد «صلى الله عليه وسلم»، فالقراءة هي مفتاح العلم والمعرفة، ويجب أن تتحول إلى أهمّ أهداف وزارة التربية والتعليم، وأهم برامج الأنشطة المدرسية، خصوصاً وقد أظهرت دراسة تهتم بهذا الشأن بأن نحو 70 في المئة من المعلومات التي يتعلّمها الإنسان، تأتيه عن طريق القراءة، أما بقية ما يحتاجه في المواقف الحياتية فيتعلمها عن طريق الاحتكاك بالناس والتجربة والخبرة والسؤال، أحدهم قال إنه ينوي زيارة معرض الكتاب بعد حديثه معي وعلمه بأني عزمت على أن يزوره أفراد أسرتي معي، وكان يسأل ماذا يجب عليه أن يشتريه من المعرض، فقلت ليس الأمر كذا، يجب أن يعطي كل ابن من أبنائه فرصة شراء ما يريد ويستهويه من كتب. محمد إبراهيم فايع - خميس مشيط [email protected]