لم يعد لديّ ما أُفاخر به أقراني، لم أعد أستطيع القول إنني أفوقهم في أمر يخصني، دونهم، وحدي، لن أقول لهم بعد اليوم: إنني أتفوّق عليهم لأن لدي (أُمّين)، أمّاً ولدتني، وأمّاً، مناصفةً، ربّتني، أرأيتم كم كنتُ متفوقاً؟ كانت العرب، وما زالت، تقول: «ربَّ أخٍ لك لم تلده أمك» وأنا أقول: «كم من أمّ لك لم تلدك»، «نعمة» ولدتني، و»رِدعة»، مشاركةً، ربّتني، وهي التي رحلتْ وتركتني، كم كان هذا الرحيل قاسياً؟ كم كان مؤلماً؟ وكم كان مُمزِّقاً؟ أماه، لماذا تركتِ ابنكِ؟ لماذا شطبتِ، برحيلك، اسمه من قائمة «المتميزين»؟ أغلبكم، أعزائي، لا يوجد لديه إلاّ أمٌّ واحدة، في هذه الحياة، أمّا أنا فكان لي اثنتان، وكان لي من الحنان ينبوعان، كما كان لي من الدفء «بردتان»، ومن الدمعة السخية اثنتان، كانتا تُذرفان كلما ألمّ بي عارض، هل سيكفيني ينبوع واحد، وبردة واحدة، ودمعة واحدة؟ هذا ما أشكُّ فيه. ماتتْ التي «كان الله من أجلها يكرمني»، ماتتْ التي كان من أجل مودّتها، لي، يحسدني مَنْ حولي، ماتتْ التي كانت تقول: «اللهم إن أمتّني فلا تُمِت دعوتي ل»محمد»، وأنا، بشوقٍ، أقول لها: أَحِنُّ إِلَى الكَأْسِ التِي شَرِبَتْ بِهَا وأَهْوَى لِمَثْوَاهَا التُّرَابَ وَمَا ضَمَّا أمي الحبيبة التي رحلتْ، أمي الحبيبة التي بقيتْ، لكما مودتي التي لن ترحل عن قلبي حتى أرحل عن هذه الدنيا، لكما دعائي، اللهم ارحم أمي التي رحلتْ، واحفظ لي أمي التي بقيتْ، وارضَ عنهما، وسامحهما، يا رب العالمين. عُذراً قرّائي، الأعزّاء، على أنانيتي، في مقالتي اليوم، فلقد بكيت…